إجراء التهدئة والادماج ، فجرى اللحاق بهم أو ألقي القبض عليهم ، وحتى في هذه الصورة فقد خيّر عمر المقاتلين بين أن ينتزعوا منهم أراضيهم أو أن يسترقوهم أو يعتقوهم ويعيدوا ادماجهم في النسق ، ومن المحتمل أن الحل الأخير هو الذي تم لأكثرهم. أما الدهاقين الذين لا ينبغي أن يخلط بينهم وبين أشراف الفرس من المقاتلين ، فقد اعتنق كثير منهم الإسلام (١). ومهما كان الأمر ، فإنهم سيتحملون دورا كبيرا في التأطير ونقل الأوامر والوساطة الجبائية بين جماهير الفلاحين والسلطة العربية. لا فائدة في هذا المقام من الدخول في تفاصيل الجباية المفروضة على الأرض ، والتي كانت في بداية الأمر موحدة (درهم وقفيز لكل وحدة مساحة عرفت بالجريب) (٢) ، ثم اتجهت أكثر فأكثر إلى التنوّع ارتباطا بمحصولات الأرض وبالقرب من مراكز التسويق ، منذ خلافة عمر ، مع استمرار الأمر زمن علي ، وأخيرا في خلافة معاوية الذي استكمل العمل التنظيمي الذي بدأه عمر (٣). لكن ينبغي الاحتفاظ بعنصرين ، أولهما أن المساحة الخاضعة للخراج كانت تساوي ٣٦ مليون جريب (٤) وثانيهما أن مساحة أراضي الصوافي لم تتجاوز ٧ ملايين جريب (٥). وقد وفق الضبط الأكبر للجهاز الجبائي في التحصيل على دخل كان أقصاه ١٠٠ مليون من الدراهم من الفئة الأولى أي من أراضي الخراج. وخصص أكثر هذا المقدار لتسديد أعطيات المقاتلين المقيمين (يبدو أنهم لم يقبضوا سوى عطاء أو عطاءين في المدائن ، أي قبل الانتقال إلى
__________________
٣٦ ؛ ابن سلام ، كتاب الأموال ، ص ٥٧. جعل عمر من أهالي السواد ذميين ، لا عبيدا كما كان يتوقع أن تفرضه قوانين الحرب فأدى ذلك بالفقهاء إلى التذكير باستمرار بهذا القرار. والتساؤل نفسه موجود بخصوص مبدأ العهد : هل حصلوا عليه أم لم يحصلوا عليه؟ منعه عنهم يحيى بن آدم ، ولم يفعل ذلك الشعبي الذي أوضح أن العهد ضمني لأنهم قبلوا بدفع الخراج : البلاذري ، فتوح البلدان ، ص ٢٦٦. لقد بقي الذين درسوا هذه المسائل في القرن الثاني رهن مقولات جامدة ، فعاقهم ذلك عن إقحام التدابير التي اتخذها عمر ضمنها. الواقع أن إضفاء الطابع الاسلامي على المفاهيم ساهم مساهمة خفية في إعادة تصورات عربية مبكرة إلى النشاط : ومن الغريب أن يبقى المستشرقون أيضا رهن هذه الاشكالية اللاواقعية.
(١) راجع بخصوص الدهاقين عامة المسعودي ، مروج الذهب ج ٢ ، ص ٢٤١ ؛ وChristensen; L\'Iran sous les Sassanides, p. ٧٠١ ؛ وDennett ,op.cit.,p.٢٣ ؛ وراجع حول اعتناقهم الاسلام ، فتوح البلدان ، ص ٢٦٥.
(٢) الجريب قياس مساحة يطابق انتاج أربعة أقفزة ويساوي ١٥٩٢ مترا مربعا.
(٣) البلاذري ، فتوح البلدان ، ص ٢٦٨ ـ ٢٧١ ؛ أبو يوسف ، كتاب الخراج ، ص ٣٦ ـ ٣٨ ؛ Dennett ,Con ـ : version ,pp.٤٢ ـ ٥٢. يرى المؤلف أن فرض الضرائب تدقّق بعد سنة ٢٢ ه. أي في أواخر خلافة عمر ، بمساعدة المغيرة بن شعبة ، انظر أيضا : Hill ,Termination of Hostelities ,p.٣١١.
(٤) البلاذري ، فتوح البلدان ، ص ٢٦٨.
(٥) المرجع نفسه ، ص ٢٧٢ ، كانت مجرد إشارة إلى أن أغلالها ٧ ملايين درهم. وبما أن أراضي الخراج في المرحلة الأولى ، وبموجب نمط الجباية الموحدة ، كانت تدر ٣٦ مليونا من الدراهم فهذا استنباط قريب من المعقول.