الكوفة (١) ، ولا شك أن المبلغ المذكور استخدم أيضا لسد نفقات الإدارة والأشغال العامة. وأخيرا تغذى بيت المال المركزي بمداخيل العراق أساسا ، وأعاد توزيع جانب من المال على المستحقين من النخبة الإسلامية المدنية والمسجلين بالديوان ، بداية من سنة ٢٠ ه. وبذلك ندرك الدلالات المتعددة التي تضمنها اختيار عمر. لم يتعلق الأمر فقط بحماية زراعة مزدهرة من خلال المحافظة على هياكلها البشرية والجبائية ، ولا بتجنب غليان الأطماع وتراتب الناس حسب ثرواتهم ، بصورة لا تتيح المراقبة ، بل أضيفت إلى ذلك فكرة مفادها أن الخيار العسكري العربي أمر دائم يوجب تحرير العرب من الهمّ الاقتصادي ، والاستعاضة عن الاتجاهات الإقليمية التي يحتمل أن تنشأ عن الاستقرار الزراعي ، بمبدأ وحدة الأمة الإسلامية وتضامنها أيضا. وتجسم الدولة هذا التضامن وتقوم مقام الوصي والمتصرف والمنظم والوسيط والموزع. فأسست هكذا تراتبيتها التوزيعية التي احتلت فيها النخبة الإسلامية بالمدينة مقام القمّة. وبذلك فإن فيء العراق لا يوزع على الرجال الذي افتتحوه عنوة فحسب ، فقد أصبح المهاجرون والأنصار يستحقونه (٢) ، وكل الذين وفدوا على العراق ، من العرب البدو أو الروادف (٣) ، وطبعا الأجيال القادمة. وبذلك تكون الطريقة التي سنها عمر قد تميزت بتجاوز حدث الفتح البحت ، والتوسيع تدريجيا لحلبة المساهمة ودعم سلطة الدولة التنظيمية. على أن الأمر يتعلق بتحويل فعلي لمكاسب العراقيين بصورة من الصور ، يعني ذلك تبعية تتزايد باستمرار بطول المدة ، تجاه السلطة المركزية.
وفيما يخص الفئة الثانية ، أي أراضي الصوافي ، كان لتدخل الدولة تأثير أقل شدة على الأقل في بداية الأمر. فقد شملها المقاتلة عن طيب خاطر بمبدأ عدم التقسيم (٤) لكن ما كان مفروغا منه هو ملكيتهم لهذه الأراضي بصورة جماعية لا يشاركهم فيها أحد. فانطبقت كلمة فيء سريعا جدا على الصوافي بصفة خاصة عند سيف بن عمر الذي ميز فضلا عن ذلك بين أهل العطاء وأهل الفيء (٥). وبما إن هذه الأراضي كانت بالماضي ملكا للمقاتلين
__________________
(١) الطبري ، ج ٤ ، ص ٤٢ : روى سيف أن المال وزع في محرم ١٧ ه. بالمدائن وتمّ توزيع أولي في بهرسير سنة ١٦ ه.
(٢) استثني من ذلك أهل مكة ، والبدو أيضا ، الذين لم يشاركوا في الفتوحات : البلاذري ، فتوح البلدان ، ص ٤٤٤.
(٣) وعلى هذا توجد صلة مؤكدة بين الجهاد والعطاء. راجع الطبري ، ج ٣ ، ص ٦١٤ ، بخصوص أعطيات الروادف ، التي لم توزع قبل سنة ٢٠ / ٦٤٠. المهم الملاحظة أن القرّاء شكلوا فئة قائمة بذاتها ، وقد طلب سعد ، بدون نجاح ، أن يجري عليهم العطاء بصفتهم تلك بالتساوي مع أهل القادسية وأهل الشام (٢٠٠٠ درهم) : فتوح البلدان ، ص ٤٤٢.
(٤) تلافيا للتشتت : الطبري ، ج ٤ ، ص ٣٢.
(٥) الطبري ، ج ٣ ، ص ٦١٥ ـ ٦١٦. وهكذا ازدوج معنى كلمة فيء ، فهي تعني :