الفرس ، فقد كان عسيرا حرمان المحاربين العرب الذين استولوا على السواد من التمتع بها. فلم يرد في هذا الباب ذكر الأجيال القادمة ولا الروادف أو الإنضمام إلى نسق الديوان على الأرجح ، بل كان الحضور في ساحة الوغى هو الذي يؤخذ بعين الاعتبار لا غير. فكل محارب شارك في القتال فيما بين مرحلة الأيام والاستيلاء على المدائن ، له استحقاق في الفيء ـ الصوافي بسواد الفرات ، وكان المقصود بالذات هو الجيش الذي حضر برمّته وقعة القادسية. لكن المقاتلين في جلولاء فقط ، أي ١٢٠٠٠ رجل بقيادة هاشم بن عتبة ، استحقوا الفيء دون الآخرين على ما يبدو ، في ما وراء دجلة. يقول سيف (١) : «وكان أحظى بفيء الأرض أهل جلولاء ، استأثروا بفيء ما وراء النهروان وشاركوا الناس فيما قبل ذلك».
وهكذا تجعل الدائرة المضاعفة للامتيازات التضامن يربط بداية بين أهل القادسية ثم بين رجال جلولاء بالخصوص ، الذين تحصلوا بذلك على الأكثر ، دون التوقف عن المشاركة في الأقل. بقي أن نتعرف عليهم. لا شك أن بجيلة بقيادة جرير (٢) ، وطليعة زهرة أيضا ، ورجال القعقاع ، وفدوا لتقديم المدد في القادسية على رأس أهل العراق أصحاب خالد سابقا ، يعني المشاركين في الأيام لسنة ١٢. ومن المحتمل أنهم كانوا قليلي العدد نسبيا عند العودة من الشام إلى العراق (٣). لكن لا ننس أيضا بروز عناصر من الردة في معركة القادسية حيث رويت أسماء قادتهم الرئيسيين كطليحة وعمرو بن معديكرب خاصة. لا بد
__________________
أ) أولا كل الأموال المكتسبة عن طريق الحق الطبيعي للفتح ، من أراضي الخراج أو الصوافي ، مع اشتراك بقية المسلمين في قسط منها بفضل تدخل الدولة. وليس أهل العطاء جميعا أهل الفيء ، لكن العكس صحيح. ويعني ذلك تأكيد لا غير لحق معنوي.
ب) ينطبق الفيء في معناه الضيق أيضا على الصوافي حيث يتمّ الحفاظ على حقوق المقاتلة بصورة أوضح.
(١) الطبري ، ج ٤ ، ص ٣١. معنى «فيء» الواضح في هذا الصدد هو أراضي الصوافي.
(٢) كان جرير في جلولاء وخانقين وحلوان ، حسب بعض الأخبار : البلاذري ، فتوح البلدان ، ص ٢٦٤ ـ ٢٦٥ ؛. Caetani, Chronografia, fasc. ١, p. ٧١٢, Annali, IV, pp. ٣٤١ ـ ٥٤١. وصمتت رواية سيف كما أوردها الطبري ، ج ٤ ، ص ٢٤ ـ ٢٩ عن جرير ، في حين أبرزت دور القعقاع وهاشم اللذين استعانا بجنود الحمراء الإيرانيين الملتحقين بالصفوف العربية.
(٣) ارجع إلى ما سبق وانظر شعبان (Shaban ,op.cit.,p.٥٤) ، حيث طابق بين أهل الأيام وأهل العراق ، أي رجال خالد لا غير (الأنصار والمهاجرون وبعض العشائر الصغرى الأخرى) مميزا إياهم عن بكر الذين حضروا هم أيضا الأيام ، ولعلهم تسموا بأهل البلاء. ويحتمل أن جيش خالد ، الذي عاد جزء منه بعد مدة قصيرة ، قد تلقب اعتباطا بهذا اللقب وهو ما يفسر أن تأثير بكر قد تقهقر مباشرة. لكن مفهوم الأيام بالنسبة للديوان مثلا ومن الوجهة الرسمية كان يشمل كل الذين حضروا قبل حرب القادسية ؛ هذا ولا ريب أن رفقة خالد الذين كانوا يمثلون الجيش الاسلامي النظامي في بدايته ، قاموا بدور ممتاز كبير بعد القادسية ، واتخذوا مبادرات وأكدوا روحا عصبية لديهم ، كما دل على ذلك حضور القعقاع في مقدمة الساحة.