ارتباطا بالغارات الأولى التي شنت على أرض الرافدين (١). نعني غارات سنة ١٢ ه / ٦٣٣ م ، التي كانت منطلقا لظهور القدرة الحربية العربية بعد وفاة الرسول ، وبذلك يمكن أن يتجه التفكير إلى إمكان بلوغ العناصر التي كانت أصلا للفتح العربي في جملته ، لو أمكن تسليط الضوء على الظروف التي أحاطت بهذا الدفع الأول. نميل فعلا ومن أول وهلة إلى تأريخ انطلاق الأحداث في محرم سنة ١٢ ه / مارس ٦٣٣ م ردا على الرؤية التقليدية ، ونسبة الغارات التي جدت في السواد إلى مبادرة من بكر بن وائل تجاوب معها إقدام خالد بن الوليد وقد خرج منتصرا من حرب الردة قبل مدة قصيرة. ولعلها كانت بداية لمغامرة كبرى في التاريخ العالمي ، إنما تجذرت في الغموض والتهميش. ومن أول وهلة يبدو أن الفتح تقرر مصيره في الجنوب الشرقي من بلاد العرب ، بعيدا عن قرار الحكم المركزي. واستنادا إلى الأسبقية الزمنية للغارات على السواد بالمقارنة مع المعارك التي دارت في الشام وفلسطين ، يطرح كايتاني بهذا الصدد قضية كبرى هي قضية الفتح العربي برمته ، وكأنه صار مسلما بأن حركة الفتح انطلقت من هذه الغارات العراقية.
الواقع أن شيئا من ذلك لم يكن. لا شك أن الأيام التي جدت سنة ١٢ ه ، قد أثرت على قرار عمر الذي اتخذه في السنة التالية ، والخاص بالشروع في فتح السواد. على أن هذا القرار يكون غير معقول بدون الانتصارات على البيزنطيين. وينزع السياق التاريخي برمته ، كما المطالعة المتيقظة للمصادر ، إلى الدلالة على أن مواجهة الشام كانت تعتبر الجبهة الرئيسية والجبهة التي كانت فكرة الفتح عامة توضع فيها على محك الاختبار.
هذا وينبغي الإنطلاق من الأحداث الملموسة في ميدان يتصف بمثل هذه الضبابية. اتجه الرسول بنظره إلى الشمال قبل أن يتوفى ، فشكل في محرم من سنة ١١ ه / ٦٣٢ جيشا للشام بقيادة أسامة بن زيد ، وأمره ب «أن يوطىء الخيل تخوم البلقاء والداروم من أرض فلسطين» كما روى الطبري (٢) نقلا عن إبن إسحاق. ولا يكفي أن يكون التقليد الإسلامي أفاض في القول كما شاء في الغايات التي رسمها الرسول للغزو الخارجي لكي ننكر أو نخفّف من وجود نيّة توسّعية في حياة الرسول نفسه. وإلا فلا يمكن فهم الإلحاح الذي أحاطت به الروايات جيش أسامة ، مباشرة بعد مبايعة أبي بكر ، في حين بدأت تطرح مسألة الردة الخطيرة ، ولا نفهم بالخصوص إلا بعسر أنه بعد إنهاء حروب الردة (في أواخر سنة ١١ ه) ، وبعد أن تكلل بالنصر تسلل خالد إلى السواد فعلا ، قامت الدولة في المدينة بقيادة الفتح
__________________
(١) Caetani, Annali dell\'Islam, Milano, ٧٠٩١, Vol. II, t. II; Wellhausen, Prolegomena Sur a ? ltesten geschischte des Islams, Skizzen und Vorarbeiten, VI, Berlin, ٩٨٨١, pp. ٧٣ ff; Shaban, Islamic History, a new interpretation, I, Cambridge, pp. ٥٢ ff.
(٢) تاريخ الرسل والملوك ، نشرة القاهرة ، ١٩٦٠ ـ ١٩٦٩ ، ج ٣ ، ص ١٨٤.