والرمل الأحمر ، فأما مصدر الحصباء فهو الرسوبات النهرية وأما الرمل الأحمر فهو متأتّ من الغرب ، كما يدل اسمه على ذلك (سهلة) لأن مسجد السهلة الذي استكشفته التنقيبات كان يقع بالضبط إلى الشمال الغربي من المصر. وبقدر ما نقترب من النهر في المنطقة الغربية دائما ، تكون الأرض مشكّلة من غرينات طينية تحدّد الملطاط (١).
إن جودة موضع الكوفة ، وهواءها النقي ومواردها المائية الطيبة ، كل ذلك كالت له كتب الأدب المديح ، ولا سيما من خلال ذكرها للمجالس التي تواجه فيها الكوفيون والبصريون ، وقد اعترف البصريون على الدوام بعيوب مدينتهم (٢). وفوق كل ذلك ، إنّ ما يجعل هذا الموضع ذا قيمة استثنائية بالنسبة للسكن البشري ، كونه محاطا من كل جانب بمناظر جغرافية تختلف شديد الاختلاف : الصحراء والنهر والبطائح والبحيرة المالحة ، دون التأثر بمساوئها. وفي إمكان هذه الصلة الممتازة بين الصحراء والأرض الزراعية ، المستقرة ، المائية أن تنشيء نوعا من التكامل ينبغي التعمق والتمعن فيه ، لأن الأمر قد يتعلق أيضا بحل تلفيقي ، مستحيل ، أو يتعلق بالتردد وعدم الاختيار.
إن تربة الكوفة لم تكن معدة للزراعة بل للاستقرار البشري. فاستقر العرب فيها ، ولم يجدوا سوى ثلاثة أديرة فصلت بينها مساحات قصب ، هي دير حرقة ودير أم عمرو ، ودير سلسلة. كانت هذه الأديرة شاهدا على استقرار المسيحية العربية التي أشعت انطلاقا من الحيرة (٣). وعلى هذه المواضع الهادئة أقيم في أواخر ١٧ ه / ٦٣٨ تجمّع هائل من القبائل العربية والعشائر وأنصاف القبائل ، أتى البعض منها من البعيد النائي والبعض الآخر من البعيد القريب ، فجعلوا منها مكانا ساميا للتاريخ المضطرب ورحما أساسيا للحضارة والثقافة الإسلامية قاطبة.
__________________
(١) الطبري ، ج ٤ ، ص ٤٢ ؛ البلاذري ، فتوح البلدان ، ص ٢٧٧. من رأي سيف أن اللسان هو ظهر الكوفة ، أي حدها الغربي المعلى وهو يمتد في جهة الفرات بالملطاط ، وفي جهة الطين بالنجاف. فنجد من الغرب إلى الشرق : النجاف ، واللسان ذاته ، والملطاط. وتابعه ماسينيون عن كثب ، واضعا الملطاط على حافة النهر :. Massignon, op. cit., p. ٧٣ ولكن عبارة سيف غامضة. أما البلاذري فقد حدد موقع الملطاط بين الكوفة والحيرة ، وجاراه صالح العلي في ذلك : مرجع مذكور ، ص ٢٥.
(٢) ابن الفقيه ، ص ١٦٤ ؛ ياقوت ، ج ٤ ، ص ٤٩٢.
(٣) الطبري ، ج ٤ ، ص ٤١ ؛ لم يذكر الشابشتي أي دير منها في الديارات ، ولا ياقوت ، لكنهما أشارا معا إلى وجود دير الحريق ، بالحيرة : الديارات ، ص ٢٣٠ ، ومعجم البلدان ، ج ٢ ، ص ٥٠٥.