الجديدة الانفصال عنه. ومع هذا فلا بد أن قربها قد لعب دورا في الاستقرار بموقع الكوفة ، وقد ورد خبر فريد لكنه مثير للاهتمام مذكرا بتدخل لبني بقيلة الذين أسدوا النصح لسعد حتى يختار موضع الكوفة (١).
تتحدث المصادر عن ذلك وكأنه اكتشاف. لكن سبق للعرب معرفة هذه المنطقة فضلا عن أنها وافقت التصور الذي أراده عمر وفرضه. كانت منطقة مأنوسة لديهم نظرا لما شنوه من غارات على الحيرة وضواحيها في البداية ثم لأن معركة البويب دارت فيها ، وقريبا منها دارت وقعة القادسية. لقد طرق العرب باب العراق من هذا المكان ، ومن هنا كان الممر الذي يسّر تسربهم. وما يمكن استخلاصه أن أيسر خط للمرور بين بلاد العرب والعراق كان يمر من هذا المكان ، وكذلك الأمر بخصوص عبور الفرات الأوسط وبلاد بابل كافة. إن موقع الكوفة يمثّل نقطة اتصال كما نقطة التقاء بين عالمين وهو ينفتح على الأمداد العربية القادمة من الصحراء ، ويشرف على السواد مع كونه متأخرا عنه. تلك كانت وضعية الكوفة. وبما أن العرب فضّلوا تجميع الأمة ووقفوا ضد الانبثاث في السواد ، فقد كان منطقيا نسبيا تحديد هذا الموقع المهمش الحدودي الخارج عن المركز ، مع أنه كان موقع اتصال. وهم سيقومون بحركة معاكسة في اتجاه الشرق ، بغرض إنشاء واسط أولا ، ثم بغداد ، لكن بعد أن استوثقوا تماما من المجال العراقي ومما يليه من بلاد فارس.
لقد فعلت الظروف المناخية فعلها بخصوص انتقال الجيش ، فوجب على موقع الكوفة أن يكون صحيا. كانت الكوفة تقع في المكان الذي يدلع البر لسانه (٢) في الريف المروي ، في موضع متقدم من البرّ إذن ، على سطح يقع فوق شاطىء الفيضان للفرع الرئيسي للفرات في ذلك العصر ، على ارتفاع يناهز ٢٢ مترا من مستوى البحر (٣). ويرتفع الموضع فوق النجاف غربا ، الذي كان بمثابة الحوض المالح ، وقد كان أصله محل نظر عند الجغرافيين العرب (٤) ، وكذلك فوق البطائح جنوبا التي كانت تمتد حتى البصرة (٥) ، وهذه البطائح عبارة عن مساحة غارقة في الماء حيث ينبت القصب والحلفاء. وأرض الكوفة مزيج من الحصباء
__________________
الحيرة هي مجموعة قصور ومواضع مشتتة ممتدة أكثر مما هي مدينة مجمّعة.
(١) فتوح البلدان ، ص ٢٧٥.
(٢) الطبري ، ج ٤ ، ص ٤٢ ؛ ابن قتيبة ، عيون الأخبار ، ج ١ ، ص ٢١٨ ؛ Massignon,» Explication du plan du Ku fa «, Opera Minora, III, p. ٧٣
(٣) الجنابي ، ص ٣٢.
(٤) المسعودي ، مروج الذهب ، ج ١ ، ص ١١٩.
(٥) ابن رسته ، الأعلاق النفيسة ، ص ٩٤ ، الذي يجعل البطائح تبدأ من كسكر لا من جنوب الكوفة كما يرى ذلك لاسترانج.Le Strange