في المساجد ، تقابل بيت الصلاة المغطّى (ظلّة) ، بل يجب فهمها بمعناها الأول المرادف للفناء أي للساحة المركزية بأرض منبسطة. عرّف «لسان العرب» الكلمة بمعناها المتأخر (وتعني حرفيا ساحة ، صحن لمركز البيت) ، وأورد التعريف الآتي (١) :
«المستوي من الأرض مثل عرصة المربد ، صحن».
والملاحظ أن اعتماد مربد البصرة يبدو مرجعا رئيسا ، وهو المجال الكبير المستخدم كسوق للدواب ، وكملتقى للشعراء ، وهو ما يقابل الكناسة في الكوفة. ولنلاحظ أيضا أن مفاهيم الفلاة ، والأرض المنبسطة ، والمركز بالخصوص والتي نجدها عند ابن منظور للتعريف بالصحن ، تعبّر بصورة عجيبة عن الجوانب المتنوعة للمساحة المركزية ، الموجودة فعلا في أرض منبسطة كما في مجال صحراوي.
وقد أحيط هذا الصحن بخندق (٢) فورا ، لكي لا يقع اقتحامه ببناية ما ، وبذلك يكاد يكتسي مناعة مقدسة ، ينبغي التساؤل عن كنهها. ومن هذا الصحن بالذات ـ وهي الكلمة التي اعتمدها سيف ـ تشع المناهج الخمسة عشر. وقد تحدد مفهوم الصحن بوضوح أخيرا ، فكان يشمل المسجد والقصر والأسواق :
«فكان الصحن على حاله زمان عمر كله لا تطمع فيه القبائل ليس فيه إلا المسجد والقصر والأسواق في غير بنيان ولا اعلام» (٣).
إن إقامة هذه المساحة المركزية كمركز للسلطة والدين ، وللتجارة بصفة ثانوية ، لدليل على وجود نية تمدنية واضحة عند الحكام العرب ، لكنها تدل أيضا على وجود خط متصل يرجع إلى العصور السالفة ، فيما يخص تاريخ إنشاء الحواضر. إن لويس ممفورد (٤) محق في رأيه حين يقول : «إن المعسكر المحصن (يعني القصر) ، والمعبد داخل موقع يفصله حد مقدس عن الدنيا ، يشكل سمة مميزة لإنشاء مدينة من المدن». هذا ولا يمكن القول ، ونحن نتكلم على الكوفة تحديدا ، إن حدود المساحة تكتسي طابعا مقدسا ، لأن الأمر يتعلق بمجرد منع سلطاني للبناء الخاص.
عموما كان هذا المكان يتّخذ شكل القلعة المحصّنة أو المدينة ـ الحصن في التقليد المديني ماضيا ـ وتبرز هذه الظاهرة عند العراقيين القدامى بتواتر أكبر ممّا عند المصريين (٥)
__________________
(١) لسان العرب ، ج ١٣ ، ص ٢٤٤.
(٢) الطبري ، ج ٤ ، ص ٤٥.
(٣) الطبري ، ج ٤ ، ص ٤٥.
(٤) Lewis Mumford, La Cite ? a ? travers l\'histoire, Paris, ٤٦٩١, p. ٣٥.
(٥) Ibid.,pp.٦٠١ ـ ٩٠١.