الكلاع اتخذوا بأرض حمير نسرا (١) إلها يعبدونه من دون الله.
وكانت قوم هود وهم عاد أصحاب أوثان ، يعبدونها من دون الله اتخذوا أصناما على مثال ود وسواع ويغوث ونسر ، فاتخذوا صنما ، يقال له : صمود (٢) ، وصنما يقال له : الهبار (٣) ، فبعث الله إليهم هودا. فكان هود من قبيلة يقال لها : الخلود ، وكان من أوسطهم نسبا ، وأفضلهم موضعا ، وأشرفهم نفسا ، وأصبحهم وجها ، وكان في مثل أجسامهم ، أبيض جعدا ، بادي العنفقة (٤) ، طويل اللحية ، فدعاهم إلى الله ، وأمرهم أن يوحدوا الله ، ولا يجعلوا مع الله إلها غيره ، وأن يكفوا عن ظلم الناس ، لم يذكر أنه أمرهم بغير ذلك ، ولم يدعهم إلى شريعة ، ولا إلى صلاة ، فأبوا ذلك وكذبوه (وَقالُوا مَنْ أَشَدُّ مِنَّا قُوَّةً) فنزل الله (وَكانُوا بِآياتِنا يَجْحَدُونَ) [سورة فصلت ، الآية : ١٥] [قال الله عزوجل : (وَإِلى عادٍ أَخاهُمْ هُوداً) [سورة الأعراف ، الآية : ٦٥] الآية](٥). وكان هود من قومهم ، ولم يكن أخاهم في الدين ، (قالَ يا قَوْمِ اعْبُدُوا اللهَ) ، يعني : وحدوا الله ، ولا تشركوا به شيئا ، (ما لَكُمْ) يقول : ليس لكم (مِنْ إِلهٍ غَيْرُهُ أَفَلا تَتَّقُونَ) يعني : فكيف لا تتقون؟ (وَاذْكُرُوا إِذْ جَعَلَكُمْ خُلَفاءَ) [سورة الأعراف ، الآية : ٦٩] يعني : سكانا في الأرض : (مِنْ بَعْدِ قَوْمِ نُوحٍ) ، فكيف لا تعتبرون فتؤمنوا ، وقد علمتم ما أنزل بقوم نوح من النقمة حين عصوه ، واذكروا ما أتي إليكم (وَزادَكُمْ فِي الْخَلْقِ بَصْطَةً فَاذْكُرُوا آلاءَ اللهِ) ، يعني : هذه النعم (لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ) وكانت منازلهم وجماعتهم حيث بعث الله هودا فيهم بالأحقاف. والأحقاف : الرمل ، ما بين عمان إلى حضر موت باليمن كله (٦) ، وكانوا مع ذلك قد أفسدوا في الأرض كلها ، وقهروا أهلها بفضل قوتهم التي أتاهم الله ، يقول الله عزوجل : (وَاذْكُرْ أَخا عادٍ إِذْ أَنْذَرَ قَوْمَهُ بِالْأَحْقافِ) [سورة الأحقاف ، الآية : ٢١] ، يعني : دكادك الرمل حيث منازلهم.
__________________
(١) كان هذا الصنم بأرض يقال لها : بلخع ، موضع من أرض سبأ ولم تزل تعبده حمير ومن والاها حتى هودهم ذو نواس.
(٢) في الكامل لابن الأثير ١ / ٧٩ اتخذوا ثلاثة يقال لأحدها ضرا وللآخر : ضمور وللثالث الهبا ، وفي البداية والنهاية ١ / ١٣٨ صدا وصمودا وهرا.
(٣) في تاريخ الطبري ١ / ١١٠ الهباء.
(٤) العنفقة : اسم لشعيرات بين الشفة السفلى والذقن ، وقيل : هي ما نبت على الشفة السفلى من الشعر. (تاج العروس : عنفق).
(٥) ما بين معكوفتين استدرك عن هامش الأصل وبعده صح.
(٦) البداية والنهاية ١ / ١٣٧.