ببحوثٍ في اصول الدين والكلام ، كما يشير إلى ذلك السيّد المرتضى في كتابه الاصولي «الذريعة» ، إذ يقول : «قد وجدت بعض من أفرد لُاصول الفقه كتاباً ـ وإن كان قد أصاب في سرد معانيه وأوضاعه ومبانيه ـ ولكنّه قد شرد عن اصول الفقه واسلوبها وتعدّاها كثيراً وتخطّاها ، فتكلّم على حدّ العلم والنظر ، وكيف يولِّد النظر العلم؟ ووجوب المسبّب عن السبب ... إلى غير ذلك من الكلام الذي هو محض صرف خالص الكلام في اصول الدين دون اصول الفقه» (١).
وهكذا نجد أنّ استقلال علم اصول الفقه بوصفه علماً للعناصر المشتركة في عملية استنباط الحكم الشرعي وانفصاله عن سائر العلوم الدينية من فقهٍ وكلامٍ لم ينجزْ إلّا بعد أن اتّضحت أكثر فأكثر فكرة العناصر المشتركة لعملية الاستنباط وضرورة وضع نظامٍ عامٍّ لها ، الأمر الذي ساعد على التمييز بين طبيعة البحث الاصولي وطبيعة البحوث الفقهية والكلامية ، وأدّى بالتالي إلى قيام علمٍ مستقلٍّ باسم «علم اصول الفقه».
وبالرغم من تمكّن علم الاصول من الحصول على الاستقلال الكامل عن علم الكلام «علم اصول الدين» فقد بقيت فيه رواسب فكرية يرجع تأريخها إلى عهد الخلط بينه وبين علم الكلام ، وظلّت تلك الرواسب مصدراً للتشويش ، فمن تلك الرواسب ـ على سبيل المثال ـ الفكرة القائلة بأنّ أخبار الآحاد «وهي الروايات الظنّية التي لا يعلم صدقها» لا يمكن الاستدلال بها في الاصول ؛ لأنّ الدليل في الاصول يجب أن يكون قطعياً.
فإنّ مصدر هذه الفكرة هو علم الكلام ، ففي هذا العلم قرّر العلماء أنّ اصول الدين تحتاج إلى دليلٍ قطعي ، فلا يمكن أن نثبت صفات الله والمعاد
__________________
(١) الذريعة الى اصول الشريعة ١ : ٢