فقال : هل تدري ما فضل من أتاه وماله عندنا من جَزيل الخير؟ فقلت : لا ، فقال : أمّا الفضل فيباهيه ملائكةُ السّماء ، وأمّا ما له عندنا فالتّرحم عليه كلِّ صباح ومساء.
ولقد حدَّثني أبي أنّه لم يَخلُ مكانه منذ قُتِل مِن مُصلٍّ يصلّي عليه من الملائكة ، أو مِن الجِنّ ، أو مِن الإنس ، أو مِن الوَحش ، وما مِن شيءٍ إلاّ وهو يغبط زائره ويتمسّح به ويرجو في النَّظر إليه الخير لنظره إلى قبره [عليهالسلام] ، ثمّ قال : بلغني أنَّ قوماً يأتونه مِن نواحي الكوفة و[اُ] ناساً من غيرهم ونِساء يَنْدُبْنَه ، وذلك في النّصف من شعبان ، فمن بين قارىء يقرء ، وقاصٍّ يقصّ ، ونادبٍ يندب ، وقائل يقول المراثي.
فقلت : نَعَم جُعِلتُ فِداك قد شَهدتُ بعض ما تصف ، فقال : الحمدُ للهِ الّذي جعل في النّاس مَن يفد إلينا ويمدحنا ويرثي لنا ، وجعل عَدؤنا من يطعن عليهم مِن قرابتنا وغيرهم يَهْذؤنهم (١) ويقبّحون ما يصنعون ».
٢ ـ وبهذا الإسناد ، عن عبدالله الأصمّ ، عن عبدالله بن بُكَير الأرجاني (٢) « قال : صَحبت أبا عبدالله عليهالسلام في طريق مكّة من المدينة فنزلنا منزلاً يقال له : عُسْفان (٣) ثمّ مررنا بجبل أسود عن يسار الطّريق موحشٍ ، فقلت له : يا ابن رَسول الله ما أوحش هذا الجبل! ما رأيت في الطّريق مثل هذا ، فقال لي : يا ابن بُكَير أتدري أيّ جبل هذا؟ قلت : لا ، قال : هذا جبل يقال له : « الكمد » وهو على
__________________
١ ـ هذأه يَهْذَأه ، هذأ العدوّ : أهلكهم ، وفلاناً بلسانه ، آذاه واسمعهم ما يكره. وفي بعض النّسخ : « يهدرونهم » على بناء يضرب ويكرم ، أي يبطلون دمهم.
٢ ـ في بعض النّسخ : « عبدالله بن بكر » ، وفي كتب الرّجال : عبدالله بن بكر الأرّجاني مرتفع القول ، ضعيف ( قاله العلاّمة ) ، وكذا عبدالله بن بكير الأرجانيّ ، وبكلى العنوانين موجودٌ ، وأمّا المراد بـ « بكير » ولو قلنا بصحّته هو غير بكير بن أعين الشِّيْبانيّ.
٣ ـ عسفان ـ بالضّمّ ثمّ السّكون ـ : قرية على مرحلتين من مكّة على طريق المدينة ، وقرية جامعة على ستّة وثلاثين ميلاً من مكّة. ( معجم البلدان )