فتملكتنى له رقة ، وهزة للتماسك مسترقة ، فهجمت على مضجعه هجوما أنكره ، وراع شاءه وعكره (٣٤) ، وغطى بفضل ردنه سكره ، فقلت له : على رسلك أيها الشيخ ، ناب (٣٥) حنت الى حوار (٣٦) ، وغريب أنس بجوار ، وحائر اهتدى بمنار ، ومقرور قصد الى ضوء نار ، وطارق لا يفضح عيبا ، (ولا يثلم غيبا) ولا يهمل (٣٧) شيبا ، ولا يمنع (١٠١ : أ) سيبا ، ومنتاب يكسو الحلة ، ويحسن الخلة ، ويفرغ الغلة ، ويملأ القلة.
أجارتنا : انا غريبان ها هنا |
|
وكل غريب ـ للغريب ـ نسيب |
فلما وقم الهواجس وكبتها ، وتأمل المخيلة واستثبتها ، تبسم لما توسم ، وسمح بعد ما جمح ، فهاج عقيما فتر ، ووصل ما بتر ، وأظهر ما خبأ تحت ثوبه وستر ، وماج منه البحر الزاخر ، وأتى بما لا تستطيعه الاوائل ولا الاواخر. وقال ـ وقد ركض الفنون وأجالها ، وعدد الحكم ورجالها ، وفجر للاحاديث أنهارها ، وذكر البلدان وأخبارها ـ :
ولقد سئمت مآربى |
|
فكأن أطيبها (٣٨) خبيث |
الا الحديث فانه |
|
مثل اسمه ـ ابدا ـ حديث |
فلما ذهب الخجل والوجل ، وطال المروى والمرتجل ، وتوسط الواقع ، وتشوفت للنجوم المواقع ، وتوردت الخدود الفواقع ، قلت : أيها الحبر ، واللج الذي لا يناله السبر ، لا حجبك ـ قبل عمر النهاية ـ القبر ، ـ وأعقب كسر أعداد عمرك ـ المقابلة بالقبول والجبر ، كأنا بالليل قد أظهر ـ لوشك الرحيل ـ (١٠١ : ب) الهلع ، والغرب الجشع لنجومه
__________________
(٣٤) عكره : ابله.
(٣٥) ناب : الناب هى الناقة المسنة.
(٣٦) حوار : بفتح الحاء وضمها ، ولد الناقة.
(٣٧) يقصد : أنه لا يعيب أحدا فى غيبته ، وقد وردت هذه الجملة فى نسخة (س).
(٣٨) فى نسخة (س) «فكان» بدل «فكأن» وهو ما لا يستقيم وزنا.