بعدين اثنين ، وعلّ «كفلها» تعني كفالته إياها بوحي الاقتراع ، سكوتا عما سكت عنه النص وذودا عن ساحة القديسين اختصامهم في كفالتها بعد وحيها لزكريا.
هنا فاعل «كفلها» هو الله وزكريا المفعول الأوّل ومريم هي الثاني ، حيث الكفل متعد بنفسه ، فرغم ان الولد في كفالة الأبوين عرفا وشرعا ، ولكن مريم النابتة نباتا حسنا بحاجة الى كفالة عاصمة معصومة لم يكن يحملها هناك إلّا زكريا ، مهما تخرج بالقرعة الشرعية من بين القديسين المتنازعين بشأنها.
و «المحراب» كأصل هو محل الحرب فان عبادة الرحمن محاربة الشيطان ، ولان العبادة الخالصة بحاجة الى الانسراح عما سوى الله ، فالمحراب الحرب. هو ايضا من الحريب : السليب ، يعني عن اشغال الدنيا ، وهو المقدم في كل مسرح (يَعْمَلُونَ لَهُ ما يَشاءُ مِنْ مَحارِيبَ) فالمحراب معنويا هو محل الانسراح عما سوى الله لاخلاص عبادة الله بحرب الشيطان ، وهو مكانيا المقصورة في مقدم المعبد لها باب يصعد اليه بسلّم ذي درجات قليلة ، ويكون من فيه محجوبا عمن في المعبد ، و «كلما دخل» مما يلمح بهذه الخصوصية لمحرابها ، وكما يصرح به (إِذْ تَسَوَّرُوا الْمِحْرابَ) حيث المعبد المكشوف لا يتصور فيه التسوّر.
والكفالة ـ ككل ـ هي من المواضيع الشرعية ، سواء في التربية والحفاظ بدنيا او معنويا ام ماليا اماهيه مما تصح فيه الكفالة.
وأصلها من الكفل : المركب ، في ركب الحياة كبعض او ككل ، وقد تكفها زكريا في مسير الحياة كفيلا ضامنا عادلا معصوما في مسيره الى مصيره (كُلَّما دَخَلَ عَلَيْها زَكَرِيَّا الْمِحْرابَ وَجَدَ عِنْدَها رِزْقاً) و «رزقا» يعني ، رزقا معيشيا إلى رزق معنوي لتكون متحررة عمن يرزقها سوى الله مهما كانت للكفالة