ولكن «أنى» سؤال عن زمن تحقيق البشارة ، وليس استفهام انكار واستبعاد عنها ، فلم يقل «كيف ـ او ـ اين» وانما «أنّى» ـ ولكي لا تتأخر اكثر مما تأخرت يعرض حاله (وَقَدْ بَلَغَنِيَ الْكِبَرُ) وحال زوجه (وَامْرَأَتِي عاقِرٌ) فأجيب من فوره بتأكيد البشارة «قال كذلك» البعيد البعيد عن حساب الناس ، العظيم العظيم عند الله (اللهُ يَفْعَلُ ما يَشاءُ) دون رادع ولا مانع ، فانما امره إذا أراد شيئا ان يقول له كن فيكون ... فلا ينسب إلى اي عاقل فضلا عن نبي ان يستبعد من رحمة الله ما رجاه ودعاه ولقد كانت «أنى» في موقعها ـ حين يرى ان البشارة واقعة موقعها ـ إذ يبتهج بجدارته لها فوزا بحظوتها ، حاصلا على مزيتها ، فتطلب زمن تحققها ، عالما انه يورق الهشيم ويستنتج العقيم.
وهذه طبيعة الحال لمن بشر بما يتمناه ، وهي غريبة عن حاله على رجاءه أن يولد له فرط السرور عند اوّل ما يهجم على سمعه ما تقاضاه ، استئنافا في المعرفة وزيادة في الاستبانة ، ولا اقل من استعلام زمن الهبة المبشرة.
اجل و (قالَ رَبِّ أَنَّى يَكُونُ لِي غُلامٌ وَكانَتِ امْرَأَتِي عاقِراً وَقَدْ بَلَغْتُ مِنَ الْكِبَرِ عِتِيًّا) (١٩ : ٨) عرضا لحاله البعيدة عن هذه الرحمة الغالية ، بعد ان دعا ربه (هَبْ لِي مِنْ لَدُنْكَ) وهو الرحمة اللدنية الخاصة ، البعيدة عن المألوف تكوينا وتشريعا ، وهذه شيمة كريمة من الصالحين في دعاءهم عرضا لفقرهم وغناه ، واستعراضا لسلب اهليتهم في أنفسهم رجاء رحمة الله.
فما اقبحه تأويلا عليلا قيلة القائل : ان الله لما بشره بالولد ـ وكان عنده ان العاقر لا تلد ـ والعقيم لا تنسل ـ اعترضه الشيطان حين نادته الملائكة ان ما سمعه انما هو منه لا منهم ، فشك فيما بشر.
وذلك جهل عظيم من قائلة وقلة بصيرة بمنازل الوحي ، فإنهم تجل