الْآخِرَةِ وَلَكُمْ فِيها ما تَشْتَهِي أَنْفُسُكُمْ وَلَكُمْ فِيها ما تَدَّعُونَ) (٤١ : ٣٠ ـ ٣١).
و «اصطفاك» الأولى دون متعلق ، قد تعني غير الثانية فانها (عَلى نِساءِ الْعالَمِينَ) دونها ، إذ لا تصح «وطهرك على نساء العالمين» حتى تقبل العطف.
وهذه العناية المختلفة هي طبيعة الحال في تكرار ، ولا سيما بوسيط غير المكرر «وطهرك» فلتكن الاولى اصطفاء غير التطهير المتوسط وغير الاصطفاء الثاني ، فقد تعني اصطفاءها على ذكر تطلبته أمها محررا ، كما اصطفاها على كل ذكر لا ينجب ولدا دون أنثى وهي أنجبت دون ذكر ، كما واصطفاها من ذرية الأنبياء المصطفين المرسلين (١) والى سائر الميزات الأنثوية ، ولكنها على قمتها بحاجة الى طهارة قمة تذود عنها مستلزمات تحررها لخدمة البيت خلطا بالرجال على أية حال ، فلذلك :
«وطهرك» طهارة مطلقة تناسب الاصطفاء سببا ونتيجة و «طهرها من ان يكون في ولادتها من آبائها وأمهاتها سفاح» (٢) ومن أن تأتي سفاحا ... ومن ثم الاصطفاء الثاني : (وَاصْطَفاكِ عَلى نِساءِ الْعالَمِينَ) اصطفاء يحلق على كل صفوة سامية ، ومن ذلك اختصاصها في خطاب ربها (يا مَرْيَمُ اقْنُتِي ..) (٣).
أترى أن سعة (نِساءِ الْعالَمِينَ) هي عرض المكان وطول الزمان؟ فهي ـ إذا ـ مفضلة على الصديقة الطاهرة ـ وهي خير نساء العالمين من الأولين والآخرين ـ!.
__________________
(١) نور الثقلين ١ : ٣٣٦ عن تفسير العياشي عن الحكم بن عتيبة قال سألت أبا جعفر عليهما السلام عن قول الله في الكتاب (إِذْ قالَتِ الْمَلائِكَةُ يا مَرْيَمُ ...) اصطفاها مرتين وإلّا الاصطفاء إنما هو مرة واحدة؟ قال : فقال لي يا حكم إن لهذا تأويلا وتفسيرا فقلت له ففسره لنا أبقاك الله فقال : يعني اصطفاه إياها أولا من ذرية الأنبياء وطهرها من أن يكون في ولادتها من آبائها وأمهاتها سفاحا واصطفاها بهذا القرآن : (يا مَرْيَمُ اقْنُتِي ....).