المصلحة الروحية القمة إلّا الاقتراع وهو هنا كان بأقلام الوحي حيث كانوا يكتبون بها ، وما أنسبها بالنسبة لمن يكفل بالوحي ، والدة لصاحب الوحي العظيم المسيح (عليه السلام).
ولم يكن اختصام هؤلاء الكرام عدائيا كاللئام ، وانما سباقا إلى رحمة الله وهم رفاق في الله وكما اختصم الملأ الأعلى (ما كانَ لِي مِنْ عِلْمٍ بِالْمَلَإِ الْأَعْلى إِذْ يَخْتَصِمُونَ) (٣٨ : ٦٩) كما واهل الجنة (يَتَنازَعُونَ فِيها كَأْساً لا لَغْوٌ فِيها وَلا تَأْثِيمٌ) (٥٢ : ٢٣).
ولقد جرى في ذلك المجرى قلم زكريا في الماء على خلاف المجرى خرقا للعادة ، تبيينا انه هو المخصوص هنا بكرامة الكفالة على كرامتهم جميعا فقضي الأمر كما أراد الله.
وترى ما هي حدود القرعة حكميا وموضوعيا في شرعة الله؟.
حين نرى ان الله تعالى يرضى هنا بالاقتراع ولم يشكل عليه حكم ولا موضوع ، وإنما رعاية لجمع القديسين ، فبأحرى لنا الاقتراع حين يشكل لنا أمر في موضوع وقد انقطعت كافة السبل والبراهين لتعيين الموضوع.
لا أقول اننا نستنبط الحكم بالقرعة ، حيث الأحكام العامة مبينة في الكتاب والسنة ، فانما ذلك هو الموضوع المبين حكمه ، المجهول مصداقه ، كواجب الكفالة لمريم (عليها السلام) ، ثم المصداق يتبين بالقرعة والله عالم بالحكم والموضوع ، ولكن المصلحة تقتضي تعيين الموضوع بالقرعة حسما للاختصام ، وتجنبا عن اي ترجيح بلا مرجح ظاهر.
إذا فالاختصام ـ صالحا وسواه ـ هو المورد الصالح للاقتراع إصلاحا للموقف وإيلافا للمختصمين ، فأي قضية أعدل من القرعة إذا فوض الأمر الى الله تعالى لقوله (فَساهَمَ فَكانَ مِنَ الْمُدْحَضِينَ) وكما استعلم موسى (عليه السلام)