جِئْتُكُمْ بِآيَةٍ) ربانية على ما أدعيه من رسالة ، آية قاطعة قاصعة أنني رسول من الله ، فليست ـ إذا ـ إلّا خارقة ربانية لا يستطيع عليها أحد إلا الله : (أَنِّي أَخْلُقُ لَكُمْ) كوسيط في تحقيق تخليق الآية الرسالية و (هَلْ مِنْ خالِقٍ غَيْرُ اللهِ) (٣٥ : ٣) فنسبة الخالقية إلى المسيح (عليه السلام) ليست إلّا بوساطة فيها والخالق هو الله ، كما الوالد والد أصالة وقد يعبر عنه بالخالق وسيطا لخلق الله (ذلِكُمُ اللهُ رَبُّكُمْ خالِقُ كُلِّ شَيْءٍ لا إِلهَ إِلَّا هُوَ) (٤٠ : ٦٢).
(أَنِّي أَخْلُقُ لَكُمْ مِنَ الطِّينِ كَهَيْئَةِ الطَّيْرِ فَأَنْفُخُ فِيهِ فَيَكُونُ طَيْراً بِإِذْنِ اللهِ) فهنا أذنان تكوينيان : خلقا كهيئة الطير وهي الهيئة الجسدانية للطير بالأجزاء الحيوانية عظما ولحما وعروقا ودما وريشا ، ثم نفخا فيه تكوينا لروح الطير : (... وَإِذْ تَخْلُقُ مِنَ الطِّينِ كَهَيْئَةِ الطَّيْرِ بِإِذْنِي فَتَنْفُخُ فِيها فَتَكُونُ طَيْراً بِإِذْنِي ...) (٥ : ١١٠) ف «بإذني .... بإذني» تحلقان على كلا الخلقين : خلق جسم الطير ثم خلق روحها.
إذا فلا دور للمسيح هنا في «اخلق» إلا اختلاق صورة طينية من الطير ، قد يفوقه فيه عمال التماثيل ، وأما تحوّل الهيئة الطينية هيئة جسدانية للطير ، ثم نفخ الروح فيها فتكون طيرا ، أما هما فليسا إلّا بإذن الله.
ودور المسيح هنا ، الممتاز عمن سواه ، أنه يحمل آية ربانية دالة على رسالته ، أن الله يأذن لما صنعه أن يكون كهيئة الطير ، ويأذن بما نفخ فيها أن تكون طيرا ، تدليلا على اختصاصه بالله ، وما هو هنا إلّا رسالة الله.
فلا دور للمسيح في خلق كشريك لله ، أو مخوّل من عند الله ، وعوذا بالله! فإنما يحمل آية ربانية على اختصاصه بكرامة الرسالة ، دون أن يحيط علما أو قدرة بآية الله ، وإلا لم تكن آية خاصة بالله ، ليعرف من خلالها رسالة الله.