ووجه ثالث ـ علّه معني مع الأولين ـ ان ليس الامتراء هو الشك فقط بل وهو المماراة والمجادلة بشأن الحق الجلي مع من لا يخضع لبرهان ، فلما ذا ـ إذا ـ المماراة مع المعاندين (فَلا تَكُنْ مِنَ الْمُمْتَرِينَ) فكل أمرك الى رب العالمين مع من حاجك حول الحق اليقين ، الناصع الأمين :
(فَمَنْ حَاجَّكَ فِيهِ مِنْ بَعْدِ ما جاءَكَ مِنَ الْعِلْمِ فَقُلْ تَعالَوْا نَدْعُ أَبْناءَنا وَأَبْناءَكُمْ وَنِساءَنا وَنِساءَكُمْ وَأَنْفُسَنا وَأَنْفُسَكُمْ ثُمَّ نَبْتَهِلْ فَنَجْعَلْ لَعْنَتَ اللهِ عَلَى الْكاذِبِينَ) ٦١.
هذه من غرر الآيات بشأن الغر الكرام من آل الكساء (عليهم السلام) ، حيث تعبر عن علي (عليه السلام) ب «أنفسنا» وعن فاطمة (عليها السلام) ب «نساءنا» وعن الحسنين (عليهما السلام) ب «أبناءنا» مما يدل على أخص الاختصاصات لهؤلاء بالرسالة القدسية المحمدية (صلّى الله عليه وآله وسلّم).
هنا (مِنْ بَعْدِ ما جاءَكَ مِنَ الْعِلْمِ) دون (بِما أَوْحَيْنا إِلَيْكَ) يحمل توسيعا لدائرة العلم ، فهو علم الوحي بعد العلم العقلي وقد حصلا معا بتلك المماثلة في (إِنَّ مَثَلَ عِيسى ..).
وذلك مما يؤكد عدم عناية الشك من امتراءه (صلّى الله عليه وآله وسلّم) لو انه المخاطب ب (فَلا تَكُنْ مِنَ الْمُمْتَرِينَ).
(فَمَنْ حَاجَّكَ فِيهِ) في الحق من ربك ، الذي لا مرية فيه ولا ريبة تعتريه (فَقُلْ تَعالَوْا ...) وهذه دعوة صارحة صارخة في هذه الاذاعة القرآنية الى مباهلة الكاذبين المصرين على كذبهم بعد صراح الحق المبين ، فقد تجوز المباهلة وتفيد حين تتوفر شروطها (١) ، إذ ليس الحق ليقف مكتوف الأيدي أمام
__________________
(١) نور الثقلين ١ : ٣٥١ عن أصول الكافي علي بن إبراهيم عن أبيه عن ابن أبي عمير عن محمد بن ـ