فأما إذا كان الكلام محلول العقال ، مخلوع العذار ، ممكّنا من جري المضمار ، غير محجور بينه وبين غاياته ، فان شاء صاحبه أرسل عنانه فخرج جامحا ، أو شاء قدع لجامه فوقف جانحا ، لا يحصره أمد دون أمد ، ولا يقف به حد دون حد ، فلا تكون الزيادة فيه إلا عيّا واستراحة ولغوبا وإلاحة.
ولكن كلام الله مرفّع عن كل إلاحة ولغوب ، فانه المتعذر المعوز ، والممتنع المعجز.
ذلك ، بل قد يرتفع عن ذلك كلام الفصحاء فضلا عما هو أعلى وهو في القمة العليا! ... إننا نجد كلام الإمام علي أمير المؤمنين (عليه السلام) وهو بعد النبي العظيم (صلّى الله عليه وآله وسلّم) أبلغ البلغاء وأفصح الفصحاء ، نجده على علو طبقته وحلو طريفته وانفراد طريقته ، إذا حوّل ليلحق غاية من أداني غايات القرآن وجدناه ناكصا متقاعسا ، ومقهقرا راجعا ، وواقفا بليدا ، وواقعا بعيدا ، على أنه كلام يسبق كل المجارين ، عاليا على المسامين.
ذلك! فضلا عن كلام من دونه فإذا قيس إليه وقرن به شال في ميزانه ، وقصر عن رهانه ، وصار بالإضافة إليه قالصا بعد سبوغه ، وقاصرا بعد بلوغه ، وليصدق قول أصدق الصادقين : (وَإِنَّهُ لَكِتابٌ عَزِيزٌ لا يَأْتِيهِ الْباطِلُ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَلا مِنْ خَلْفِهِ تَنْزِيلٌ مِنْ حَكِيمٍ حَمِيدٍ) (٤١ : ٤٢) (١).
ثم الواو في (وَلَوِ افْتَدى بِهِ) تعني ـ فيما تعنيه ـ عدم حصر «لن تقبل» على اللاافتداء ، كأنه إن لم يفتد بملء الأرض ذهبا ـ لو ملكه هناك ـ «لن تقبل توبته» فيقول هنا (وَلَوِ افْتَدى بِهِ) فالمفتدي وسواه سواء في (لَنْ تُقْبَلَ تَوْبَتُهُمْ).
__________________
(١) بين الهلالين ملتقطات من كلام السيد الشريف الرضي في كتابه حقائق التأويل في متشابه التنزيل ، مع زيادات أو نقيصات منا.