حيث يؤتى بها في لغات مشتركة الاستعمال بينه وبين خلقه ، فلا بد من تجريدها عن المعاني الخلقية عن بكرتها ، والإبقاء على المعاني الخالقية ، وذلك هو المعني من تسبيحه سبحانه بحمده ، ان ننزهه فيما نحمده بألفاظ متشابهة عما لا يليق بساحته ، ولا سبيل للتعريف بصفاته سبحانه ـ المشتركة لفظيا بصفات خلقه ـ إلا استعمال نفس الألفاظ المشتركة ، ثم علينا تجريدها عن معانيها في الخلق.
ومهما كان القرآن كله فرقانا لأهله ، ولكن المحكمات البينات في أنفسها هي فرقان للمتشابهات (١) تفرق المعنيّات الإلهية بمشتركات الألفاظ ، عن المعنيات الخلقية ام أية تشابهات في سائر الحقول العقلية والعلمية أماهيه ، ومما لا ريب فيه ان الآيات الأحكامية ـ كقدر معلوم من القرآن ـ هي من الفرقان المحكم (٢).
ولا يعني إحكامها عدم الحاجة الى التدبر فيها وتفسير بعضها ببعض ، بل يعني عدم التشابه مدلوليا إذ لا تشابه فيها لفظيا ، مهما كانت عميقة المعاني ، غالية المعالي.
إذا ف «المحكم ما يعمل به والمتشابه الذي شبه بعضه بعضا» (٣)
__________________
(١) في الكافي عن ابن سنان عمن ذكره قال سألت أبا عبدالله (ع) عن القرآن والفرقان أهما شيئان أو شيء واحد؟ قال : القرآن جملة الكتاب والفرقان المحكم الواجب العمل به ، وفيه عن القمي بسند متصل عن أبي عبد الله (ع): الفرقان كل امر محكم ، وروى العياشي عن عبد الله بن سنان قال سألت أبا عبد الله (ع) عن القرآن الفرقان؟ قال : القرآن جملة الكتاب وأخبار ما يكون والفرقان المحكم الذي يعمل به وكل محكم فهو الفرقان.
(٢) الدر المنثور ٢ : ٦ ـ أخرج البخاري في تاريخ بغداد بسند أن النبي (ص) قال في خطبته : أيها الناس قد بين الله لكم في محكم كتابه ما أحل لكم وما حرم عليكم فأحلوا حلاله وحرموا حرامه وآمنوا بمتشابهه واعملوا بمحكمه واعتبروا بأمثاله.
(٣) العياشي عن أبي محمد الهمداني عن رجل عن أبي عبد الله (ع).