والتقى الحقة هي المحلّقة على ظاهر التقي وباطنه علما واعتقادا وعملا صالحا اسرارا وإعلانا ف : «الدنيا كلها جهل إلا مواضع العلم والعلم كله حجة إلا ما عمل به والعمل كله رياء إلا ما كان مخلصا والإخلاص على خطر حتى ينظر العبد بما يختم له» (١).
وترى كيف يؤمر المؤمنون ان يتقوا الله حق تقاته وهو غير مستطاع لأحد او مستحيل على كل أحد حتى أوّل العابدين محمد (صلّى الله عليه وآله وسلّم) فضلا عمن دونه من المؤمنين؟.
فهل إنها منسوخة بآية الاستطاعة (فَاتَّقُوا اللهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ) (٦٤ : ١٦)؟ و (لا يُكَلِّفُ اللهُ نَفْساً إِلَّا وُسْعَها) (٣ : ٢٨٦) و (إِلَّا ما آتاها) (٦٥ : ٧)! فكيف يكلفهم بغير ما يستطيعون ، وما لم يؤتهم من الطاقة حتى يتقون (حَقَّ تُقاتِهِ)؟.
فرواية النسخ (٢) منسوخة ـ لأن فيها نسخا للمحال بالممكن ـ أو مأولة بمعنى التخصيص ، أنها خصت بآية الاستطاعة بقدر المستطاع فحق تقاته من الرعيل الأعلى ، غير المستطاع ممن دونهم ، انه لا يكلف به من لا يستطيعه ، فل (حَقَّ تُقاتِهِ) درجات ، لا يكلف منها أحد إلا قدر استطاعته ، فقد تحلّق (حَقَّ تُقاتِهِ) على كل مدارج «تقاته» حسب المستطاع ، و (مَا اسْتَطَعْتُمْ) بيان
__________________
(١) المصدر في عيون الأخبار باسناده إلى داود بن سليمان القاري عن أبي الحسن الرضا عن أبيه عن آبائه عن أمير المؤمنين (عليهم السلام) انه قال : ...
(٢) الدر المنثور ٢ : ٥٩ ـ اخرج ابن أبي حاتم عن سعيد بن جبير قال : لما نزلت هذه الآية اشتد على القوم فقاموا حتى وردت عراقيبهم وتقرحت جباههم فأنزل الله تخفيفا على المسلمين (فَاتَّقُوا اللهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ) وفيه عن ابن عباس قال : لم تنسخ ولكن حق تقاته ان يجاهدوا في الله حق جهاده ولا تأخذهم في الله لومة لائم ويقوموا لله بالقسط ولو على أنفسهم وآباءهم وأمهاتهم.