مُقْتَصِدَةٌ وَكَثِيرٌ مِنْهُمْ ساءَ ما يَعْمَلُونَ) (٥ : ٦٦) ، هذه واضرابهما من الواعدة زوال الذلة والمسكنة تقول : نعم ، فقد تلمح تأخر المسكنة بطليقها تأخر زوالها عن هؤلاء الفسقة ، أم وبأحرى أن زوال الذلة يكفيه حبل من الله وحبل من الناس ، وليس زوال المسكنة ليكفيه حبل ما الموافق لبقاءهم على دينهم قاصرين ، وكما نرى اليهود القاصرين في مسكنة بيّنة ، وهذا هو الفارق بين الذلة والمسكنة هنا ، حيث الثانية هي لزام التأخر عن كامل الحبلين كما هو ملموس في اليهود!.
وذيل الآية المعلّل للذلّ والمسكنة يقرر أنهم هم فسقة اليهود ، إذ لم يعهد من النصارى أن يقتلوا النبيين ، فمصب الآية منذ (لَنْ يَضُرُّوكُمْ) ـ حتى ـ «المسكنة» هم اليهود ، مهما شمل استحالة الضر كل فسقة اهل الكتاب لمكان رجوع ضمير الجمع إلى (وَأَكْثَرُهُمُ الْفاسِقُونَ) حيث لا يختص بفسقة اليهود.
إذا فثالوث : الذلة والمسكنة وباءوا بغضب من الله ـ يشمل كل فسقة أهل الكتاب على قدر فسقهم ومروقهم ، ولا سيما اليهود المغضوب عليهم وهم أشد عداوة للذين آمنوا وأضر ضراوة عليهم كما قال الله : (لَتَجِدَنَّ أَشَدَّ النَّاسِ عَداوَةً لِلَّذِينَ آمَنُوا الْيَهُودَ وَالَّذِينَ أَشْرَكُوا وَلَتَجِدَنَّ أَقْرَبَهُمْ مَوَدَّةً لِلَّذِينَ آمَنُوا الَّذِينَ قالُوا إِنَّا نَصارى ذلِكَ بِأَنَّ مِنْهُمْ قِسِّيسِينَ وَرُهْباناً وَأَنَّهُمْ لا يَسْتَكْبِرُونَ. وَإِذا سَمِعُوا ما أُنْزِلَ إِلَى الرَّسُولِ تَرى أَعْيُنَهُمْ تَفِيضُ مِنَ الدَّمْعِ مِمَّا عَرَفُوا مِنَ الْحَقِّ يَقُولُونَ رَبَّنا آمَنَّا فَاكْتُبْنا مَعَ الشَّاهِدِينَ) (٥ : ٨٣).
وترى إذا السابقون كانوا يقتلون الأنبياء بغير حق فما على اللاحقين الذين لم يقتلوا؟ ذلك لأنهم سلسلة موصولة طوال تاريخهم المنحوس المدسوس ، فأولئك قتلوا الأنبياء وهؤلاء قتلوا النبوات ، فلو وصلت أيديهم إليهم لقتلوهم ، فهم نمط واحد على طول الخط ، فتشملهم الذلة والمسكنة كذلك (إِلَّا بِحَبْلٍ مِنَ اللهِ وَحَبْلٍ مِنَ النَّاسِ).