ومن ثم تستمر التذكرة بحرب أحد وما خلّفت من بلورة الإيمان لقلة قليلة ، ومن زلزلة الاطمئنان وتأرجف الايمان لكثرة كثيرة ، كدرس للأمة الإسلامية مع الأبد ، نبراسا ينير الدرب على المجاهدين في خطوط النار للأخذ بالثأر والقضاء على العار ، ومتراسا يتترسون به في تقدمات الحرب وتقدّماتها.
وهنا انتقالة لطيفة عطيفة من معركة الجدال والتنوير والتوجيه والتحذير ، إلى معركة النضال في الميدان ، الى معركة أحد ومن قبلها بدر.
وهنا تنضم عراك في الضمير بطي العراك الدموية الفادحة ، ومعركة الضمير هي أوسع المعارك في مختلف النضال والجدال.
لقد كان النصر أولا في بدر ثم الهزيمة ثانيا في أحد ، وكما الانتصار كان عظيما حيث غلبت فيه فئة قليلة على فئة كثيرة بإذن الله ، كذلك كانت الهزيمة ايضا عظيمة ، ولكنّما الهزيمة خلفت ـ رغم أوجاعها وأجواءها المحرجة ـ انتصارا معرفيا ويقظة بعد غفوة للكتلة المؤمنة ، ولكي لا يغتروا بانتصارهم الاوّل ، فيتركوا شروطاته المقررة في شرعة الله.
فلقد محصّت في هذه الهزيمة نفوس وميّزت صفوف وصنوف ، وانطلق المسلمون متحررين عن كثير من أغباش التصورات الخاطئة التي هي عشيرة الفتح الخارق للعادة بطبيعة الحال.
فميعان قيم وتأرجح مشاعر من نزوة الفتح المبين من ناحية ، وتسرب منافقين وقليلي الايمان من أخرى ، ما كانت تجبر إلا بهزيمة مّا هي في نفس الوقت من خلفيات تخلف عسكري عن امر القائد الرسالي.
ولم تكن حصيلة الهزيمة بأقل عائدة من حصيلة الفتح أم هي اكثر ، فتلك هي حصيلة ضخمة ما أحوج الأمة الإسلامية إلى دراستها طوال تاريخها ، ولكي تأخذ حذرها وأهبتها في كل مواجهة نضالية من ذلك الرصيد العظيم.