بعضهم «هل لنا من الأمر شيء» وقول آخرين (لَوْ كانَ لَنا مِنَ الْأَمْرِ شَيْءٌ ما قُتِلْنا هاهُنا) ليقول لهم ولأضرابهم ـ حين ليس لرسول الهدى من الأمر شيء فبأحرى لمن سواه.
فليس لهم ـ ككل ـ من الأمر شيء لا في نصر ولا هزيمة ، إلّا قدر ما يسعون او يفشلون ، وبذلك ينسلخ المسلمون بأشخاصهم من بطر النصر وخطر الهزيمة ، ويطامنون من الكبرياء التي يثيرها الانتصار في نفوسهم ومن الزهو الذي تتنفج به أرواحهم وتتنفخ أوداجهم.
فليس لهم ـ ككل ـ رسولا ومرسلا إليهم ـ شأن إلا تأدية الواجب في كل حقل ، ثم نفض أيديهم من النتائج.
(وَلِلَّهِ ما فِي السَّماواتِ وَما فِي الْأَرْضِ يَغْفِرُ لِمَنْ يَشاءُ وَيُعَذِّبُ مَنْ يَشاءُ وَاللهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ) (١٢٩).
(لَيْسَ لَكَ مِنَ الْأَمْرِ شَيْءٌ) إذ لا تملك مما في السماوات وما في الأرض شيئا (وَلِلَّهِ ما فِي السَّماواتِ وَما فِي الْأَرْضِ) ملك التشريع والتكوين ، ف (يَغْفِرُ لِمَنْ يَشاءُ) ان يغفر له حين يستحقه ، بأن يشاء هو المغفرة ويعمل له ، (وَيُعَذِّبُ مَنْ يَشاءُ) ان يعذبه حين يستحقه بان يشاء هو العذاب بما يعمل له.
إذا ففاعل «يشاء» فيهما هو الله حيث يشاء مغفرة وعذابا ، وهو المغفور له والمعذب حيث يشاء هما فيشاءهما الله (وَما تَشاؤُنَ إِلَّا أَنْ يَشاءَ اللهُ).
ذلك ، ولكنه سبقت رحمته غضبه ، كما تلمح له هذه التعقيبة (وَاللهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ) فبرحمته يغفر ما لم يناف عدله سبحانه ، كما بعدله يعذب حين لا مجال لغفره ورحمته.