ثم وليس كظم الغيظ بصورة طليقة إحسانا ، فقد يكظم الغيظ في حالة حاضرة ليحقد ويضطغن فيتحول الغيظ الفائر الى إحنة غائرة ، والغضب الظاهر الى حقد دفين ، وحاضر الغيظ هي اقل محظورا من غائره ، ولا يعني كظم الغيظ إلّا هضمه عن بكرته ، عن ظاهره وغائره ، في مثلث القال والحال والفعال ، في الحاضر والاستقبال.
٣ (وَالْعافِينَ عَنِ النَّاسِ) عفوا طليقا عن مظالمهم التي تقبل العفو ، وأما العفو الذي يشجّع على الظلم فليس ممنوحا ولا مسموحا ، إنما هو العفو الذي لا محظور فيه ، ولا سيما الذي يحوّل سيّئا إلى حسن وإلى أحسن ، وذلك واجب كل مسلم لأنه قضية واجب الإحسان في سبيل الدعوة إلى الله (وَاللهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ) وهم هنا المنفقون الكاظمون العافون ، فقد يتحول الإنفاق والكظم والعفو إلى الاساءة كأن ينفق في سبيل اللهو بدلا عن سبيل الله ، ويكظم الغيظ عمن يجب تأديبه وضربه او قتله ، او يعفى عمن يشجّع بعفوه إلى تخلف اكثر وأكثر ، فانما هذه الثلاث ممدوحة إذا كانت في سبيل الله ، إحسانا الى عباد الله الذين يستحقونه.
٤ ـ ٥ (وَالَّذِينَ إِذا فَعَلُوا فاحِشَةً أَوْ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ ذَكَرُوا اللهَ فَاسْتَغْفَرُوا لِذُنُوبِهِمْ وَمَنْ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ إِلَّا اللهُ ...) والفاحشة هي المعصية المتجاوزة حدّها في ذاتها ام الى غير فاعلها شخصيا أم جماعيا ، ومن الثاني المعصية المتجاهر بها حيث تشجع الجماهير على اقترافها ، أو الجامعة بينهما فأشد وأنكى ، فذلك المثلث من المعصية فاحشة مهما اختلفت دركاتها.
ثم (أَوْ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ) عام بعد خاص ، فان العصيان أيا كان ظلم بالنفس سواء أكان فاحشة ام سواها ، صغيرة ام كبيرة.
وهنا (ذَكَرُوا اللهَ) دليل على أن العصيان هو من خلفيات النسيان ،