وآية ثانية في متعاكس الإيلاج تشريع السماح في المعاقبة بالمثل : (ذلِكَ وَمَنْ عاقَبَ بِمِثْلِ ما عُوقِبَ بِهِ ثُمَّ بُغِيَ عَلَيْهِ لَيَنْصُرَنَّهُ اللهُ إِنَّ اللهَ لَعَفُوٌّ غَفُورٌ. ذلِكَ بِأَنَّ اللهَ يُولِجُ اللَّيْلَ فِي النَّهارِ وَيُولِجُ النَّهارَ فِي اللَّيْلِ وَأَنَّ اللهَ سَمِيعٌ بَصِيرٌ) (٢٢ : ٦١) تمثيلا للتشريع العدل بالتكوين العدل ، إذ يولج ليل العذاب في نهار الحياة الظالمة ، كما يولج نهار العذاب في ليل الحياة المظلومة.
وثالثة تمثيلا للخلق والبعث بمتعاكس الإيلاج : (ما خَلْقُكُمْ وَلا بَعْثُكُمْ إِلَّا كَنَفْسٍ واحِدَةٍ إِنَّ اللهَ سَمِيعٌ بَصِيرٌ. أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللهَ يُولِجُ اللَّيْلَ فِي النَّهارِ وَيُولِجُ النَّهارَ فِي اللَّيْلِ وَسَخَّرَ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ كُلٌّ يَجْرِي إِلى أَجَلٍ مُسَمًّى وَأَنَّ اللهَ بِما تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ) (٣١ : ٢٩).
فكما انه يولج الليل في النهار ، كذلك يولج ليل الموت في نهار الحياة ، وكما انه يولج النهار في الليل كذلك يولج نهار الحياة في ليل الممات ، ف (ما خَلْقُكُمْ وَلا بَعْثُكُمْ إِلَّا كَنَفْسٍ واحِدَةٍ)! إذا فمتعاكس الإيلاج ينعكس ـ بطبيعة الحال ـ على واقع الحياة بعد الموت آجلا ، كما هو في واقع التشريع قبل الموت عاجلا.
ذلك ـ وكما في إخراج الحي من الميت وإخراج الميت من الحي كشريطة تدار طول الحياة برهان لا مرد له على امكانية الإخراج الأول بعد الموت كما قبله ، كإمكانية الإخراج الثاني واقعا ملموسا في عاجل الحياة.
ذلك وكما يخرج الكافر من المؤمن والمؤمن من الكافر (١).
__________________
(١) الدر المنثور ٢ : ١٥ ـ أخرج ابن مردويه من طريق عثمان النهدي عن سلمان الفارسي قال قال رسول الله (ص) لما خلق الله آدم عليه السلام أخرج ذريته فقبض قبضة بيمينه فقال : هؤلاء أهل الجنة ولا أبالي وقبض بالأخرى قبضة فجاء فيها كل رديء فقال : هؤلاء أهل النار ولا أبالي فخلط بعضهم ببعض فيخرج الكافر من المؤمن ويخرج المؤمن من الكافر فذلك قوله : (يُخْرِجُ الْحَيَّ مِنَ الْمَيِّتِ وَيُخْرِجُ الْمَيِّتَ مِنَ الْحَيِّ).