لقصور الصبر اللائق في تطبيق الرسالة ، بعد التذكير بأنبياء صابرين ، وكما يلمح في «القلم» : (فَاصْبِرْ لِحُكْمِ رَبِّكَ وَلا تَكُنْ كَصاحِبِ الْحُوتِ إِذْ نادى وَهُوَ مَكْظُومٌ. لَوْ لا أَنْ تَدارَكَهُ نِعْمَةٌ مِنْ رَبِّهِ لَنُبِذَ بِالْعَراءِ وَهُوَ مَذْمُومٌ فَاجْتَباهُ رَبُّهُ فَجَعَلَهُ مِنَ الصَّالِحِينَ) (٦٨ : ٥٠) والقصة مذكورة فيها وفي يونس والصافات ، وفي كلّ تفصيل كما تعنيه آيتها ، وهنا كما هيه ، دون اعادة شاملة للثلاثة الباقية.
وتراه هنا (إِذْ ذَهَبَ مُغاضِباً) ممن؟ أمن ربه؟ وهو كفر به ، واين يذهب مغاضبا من ربه وليس له مكان ، فانه محيط بكل كائن ومكان ، وهو مع كل انس وجان! ثم «مغاضبا» تعني غضب المتناوئين ، فليس غضبانا حتى يعنيه هو على ربه وسبحانه ، وانما «مغاضبا» وطبعا مع من كانوا معه في قريته ، فقد غضب عليه قومه لكرور دعوته وصموده في دعايته ، فأيس منهم وغضب عليهم ف (ذَهَبَ مُغاضِباً) غضبا على قومه في ذات الله إذ غضبوا عليه لدعوته الدائبة الى الله ، فأيس من ايمانهم بالله ، ولكنهم كان لهم استعداد للايمان ما كان يعلمه يونس ولا رجاه : (فَلَوْ لا كانَتْ قَرْيَةٌ آمَنَتْ فَنَفَعَها إِيمانُها إِلَّا قَوْمَ يُونُسَ لَمَّا آمَنُوا كَشَفْنا عَنْهُمْ عَذابَ الْخِزْيِ فِي الْحَياةِ الدُّنْيا وَمَتَّعْناهُمْ إِلى حِينٍ) (١٠ : ٩٨).
فلان الموقف كان موقف الإياس من ايمانهم ، فلم ير ـ إذا ـ بأسا من الذهاب عنهم مغاضبا ، ولان ذهابه كان ذهاب المغاضب دون فرار عن الدعوة ام تمهّل فيها «فظن» حسن ظنه بربه (أَنْ لَنْ نَقْدِرَ عَلَيْهِ) تضييقا في ذلك الذهاب ، فليس «نقدر» من القدرة ، بل هو القدر الضيق كما (اللهُ يَبْسُطُ الرِّزْقَ لِمَنْ يَشاءُ وَيَقْدِرُ) في آيات عدة (١) (وَمَنْ قُدِرَ عَلَيْهِ
__________________
(١) وهي ١٣ : ٢٦ و ١٧ : ٣٠ و ٢٨ : ٨٢ و ٢٩ : ٦٢ و ٣٠ : ٣٧ و ٣٤ : ٣٦ و ٣٩ و ٣٩ : ٥٢ و ٤٢ : ١٢ ، ثم لا نجد «لا يقدرون» بمعنى القدرة الا في ـ