رِزْقُهُ فَلْيُنْفِقْ مِمَّا آتاهُ اللهُ) (٦٥ : ٧).
فقضية الموقف الحاسم ، ان لن نضيق عليه بذهابه عنهم مغاضبا ، فلم يكن يرى في ذلك الذهاب بأسا ، بعد ما استعصى عليه قومه وهو مستقص في دعوتهم ، فغادرهم مغاضبا ولم يصبر على معاناتها بمماداتها وعرقلاتها ، ظانا ان الله لن يضيق عليه الأرض ، فهي فسيحة والقرى باقوامها كثيرة ، وانه لن يضيق عليه توبيخا لذهابه عنهم ، إذ رأى نفسه معذورة في ذهابه.
هذا الذي ظنه ذا النون ، ولكن الرسالة الإلهية لها مسئوليتها الخطيرة ، المحلّقة على سائر المسؤوليات ، فليس لصاحب الدعوة الرسالية ان يتركها ، او يترك جو الدعوة بسند الإياس عن تأثيرها ، فانها ليست ـ فقط ـ نذرا ، بل (عُذْراً أَوْ نُذْراً) فحتى إن أيقن الداعية بعدم تأثير الدعوة فعليه المواصلة فيها حتى النفس الأخير ، ولا يسمح له بالذهاب عنهم إلّا إذا خاف على نفسه عذابهم الناكل ام عذاب الله عليهم ، ام مسا من كرامة الدعوة ، فهنالك المهاجرة حفاظا على الدعوة والداعية ، لا إراحة لنفسه عن الدعوة غير المؤثرة.
إذا فقد كان من ذا النون بعض التقصير في الدعوة الصامدة ، مهما يعذره بعض الإعذار ظنّه ان لن يضيق عليه ربه في ذهابه عنهم مغاضبا ، ولكنه كان ظنا بغير حساب ولا صواب ، حيث الموقف الصالح لذلك الظن او اليقين بعدم التضييق هو تمام الدعوة ، ولا تتم بنفس الإياس الا إذا واجه امرا أهم إمرا من واجب الدعوة العاذرة غير المؤثرة ، كالخطر
__________________
ـ ٢ : ٢٦٤ و ١٤ : ١٨ و ٥٧ : ٢٩ ، مما يجعل الترجيح للمعنى الاول عند التردد ، فضلا عن موضع اليقين كما في ذا النون.