وماكنها ، فكيف له التطلّع إلى السماء ليرى ساكنها وماكنها ، اللهم إلّا أن يطلعه إله الأرض والسماء كما في هذه الآية وأضرابها ، حيث تبث فيهما من دابة بعد خلقها ، ثم تجمعهما هنا وليوم الجمع في هذه اللمحة اللامعة ، فيشهد القلب مشاهد ثلاثة أو أربعة قبل أن ينتهي اللسان من آية واحدة قصيرة من الذكر الحكيم!.
وماذا تعني دابة السماوات والأرض؟ ... إن الدبّ ـ لغويا ـ مشي خفيف ، والدابة وهي المبالغة فيه ، تعني الماشية فوق الخفيف ، وأرض مدبوبة : كثيرة ذوات الدبيب فيها ، فالدابة ـ إذا ـ حيوان يمشي على أرض مّا في أرض أم سماء : (وَاللهُ خَلَقَ كُلَّ دَابَّةٍ مِنْ ماءٍ فَمِنْهُمْ مَنْ يَمْشِي عَلى بَطْنِهِ وَمِنْهُمْ مَنْ يَمْشِي عَلى رِجْلَيْنِ وَمِنْهُمْ مَنْ يَمْشِي عَلى أَرْبَعٍ يَخْلُقُ اللهُ ما يَشاءُ إِنَّ اللهَ عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ) (٢٤ : ٤٥).
إذا فكل دابة تمشي ، فلا تطير في جو الأرض : (وَما مِنْ دَابَّةٍ فِي الْأَرْضِ وَلا طائِرٍ يَطِيرُ بِجَناحَيْهِ إِلَّا أُمَمٌ أَمْثالُكُمْ ..) (٦ : ٣٨) ولا في جو السماء كالملائكة : (وَلِلَّهِ يَسْجُدُ ما فِي السَّماواتِ وَما فِي الْأَرْضِ مِنْ دابَّةٍ وَالْمَلائِكَةُ وَهُمْ لا يَسْتَكْبِرُونَ) (١٦ : ٤٩) وهذه الآية تكفي نصا على أن الدابة لا تشمل الملائكة ، وتأخر الملائكة هنا ذكرا على تقدمها شأنا علّه للإطاحة باحتمال تخصص الدابة بالأرض.
وفيما تطلق الدابة تعني كل دابة في الكون ، بثّا لها كما هنا ، أو أخذا بناصيتها : (ما مِنْ دَابَّةٍ إِلَّا هُوَ آخِذٌ بِناصِيَتِها) (١١ : ٥٦) أو خلقا لها من ماء مشيا على بطن أو رجلين أم أربع (٢٤ : ٤٥) أم قضاء عليها كلها لولا أجل مسمى بظلم ناسها : (وَلَوْ يُؤاخِذُ اللهُ النَّاسَ بِظُلْمِهِمْ ما تَرَكَ عَلَيْها مِنْ دَابَّةٍ وَلكِنْ يُؤَخِّرُهُمْ إِلى أَجَلٍ مُسَمًّى) (١٦ : ٦١) أم رزقا لها حيث لا تحمل رزقها : (وَكَأَيِّنْ مِنْ دَابَّةٍ لا تَحْمِلُ رِزْقَهَا اللهُ يَرْزُقُها