فتح الباب ومعه ريطة ، فاذا أزج (١) كبير فيه جماعة من قتلي الطالبيين ، وفي آذانهم رقاع فيها أنسابهم ، واذا فيهم أطفال ، ورجال شباب ، ومشايخ عدة كثيرة ، فلما رأي المهدي ذلك ارتاع لما رأي ، وأمر فحفرت لهم حفيرة ، فدفنوا فيها ، وعمل فوقها دكانا» (٢).
وهكذا نجد شأن الطغاة الكبار في الانتقام اللاانساني بأقرب الناس صلة ونسبا ، ولا غرابة في ذلك ووصيته لولده المهدي تقول : «اني تركت بعض المسيئين من الناس ثلاثة أصناف : فقيرا لا يرجو الا غناك ، وخائفا لا يرجو الا أمنك ، ومسجونا لا يرجو الفرج الا منك» (٣).
ويعقب علي الرواية الأستاذ باقر شريف القرشي بقوله :
«انه لم يترك بعض المسيئين من الناس علي ثلاثة أصناف ، وانما ترك الناس جميعا كذلك ، فقد روعهم بخوفه ، وسلبهم الأمن والدعة ، ونشر الفقر والمجاعة بينهم ، وملأ السجون بالأحرار والمصلحين» (٤).
وكيف تري حياة الامام ، وهو يعايش كل المآسي التي اجترحها المنصور في حقده؟ بلي مات المنصور وعمر الامام ثلاثون عاما أبقت في قلبه ذكريات اللوعة والمرارة والأسي ، فكان بذلك يحيا الألم الكبير في كل ظواهره المروعة.
__________________
(١) الزُجُ المكان الذي يزج فيه المعتقلون أي السجن أو المعقل.
(٢) الطبري / تأريخ الأمم والملوك ٦ / ٣٢٠.
(٣) اليعقوبي / التأريخ ٣ / ٣٤٩.
(٤) باقر شريف القرشي / حياة الامام موسي بن جعفر ١ / ٤٣١.