ملئت غرائرهم بالأموال والرشاوي ، وبقي في ضعفاء من الناس لا حول لهم ولا طول ، والأمر يتنقل بالفوضي من سييء الي أسوأ ، والآفاق داكنة بين سحاب وضباب ، والحياة مضطربة بين السيف والحيف ، وقلق المسلمون علي الامام حينما كتب المنصور الي واليه علي المدينة عند وفاة الامام جعفر بن محمد الصادق (عليهالسلام) :
«ان كان الامام قد أوصي الي رجل بعينه ، فقدمه واضرب عنقه». فكتب الوالي الي المنصور أن الامام الصادق قد أوصي الي خمسة : أبيجعفر المنصور نفسه ، ومحمد بن سليمان والي المدينة ، وولده عبدالله الأفطح ، وولده موسي ، وزوجته حميدة.
فقال المنصور : ما الي قتل هؤلاء من سبيل (١).
وكانت جرائم المنصور تتجاوز الحدود في الانتقام والتشفي ، وأكتفي بحديث «الخزانة» التي احتجزها لنفسه ، ولم يطلع عليها أحدا ، وهي محاطة بالسرية والكتمان ، حتي ظهر أمرها بعد وفاته بما تحدث عنه محمد بن جرير الطبري بقوله :
«لما عزم المنصور علي الحج دعا (ريطة بنت أبيالعباس السفاح) امرأة المهدي ، وكان المهدي بالري قبل شخوص أبيجعفر ، فأوصاها بما أراد ، وعهد اليها ، ودفع اليها مفاتيح الخزائن ، وتقدم اليها وأحلفها ، ووكد الايمان أن لا تفتح بعض تلك الخزائن ، ولا تطلع عليها أحدا الا المهدي ، ولا هي الا أن يصح عندها موته ، فاذا صح ذلك اجتمعت هي والمهدي وليس معهما أحد حتي يفتحا الخزانة ، فلما قدم المهدي من الري الي مدينة السلام دفعت اليه المفاتيح وأخبرته ألا تفتحه ، ولا يطلع عليه أحد حتي يصح عندها موته ، فلما انتهي الي المهدي موت المنصور ، وولي الخلافة
__________________
(١) ظ : المجلسي / بحارالأنوار ٤٧ / ٣.