جوعا وبؤسا ، ويعلل ذلك بقوله : «من قل ماله قل رجاله ، ومن قل رجاله قوي عليه عدوه ، ومن قوي عليه عدوه اتضع ملكه ، ومن اتضع ملكه استبيح حماه» (١).
وهكذا تري حاكما غادرا بخيلا فاتكا يتقمص الخلافة الاسلامية ، ويتبوأ مقعد ادارة المسلمين بهذه الصفات المهزوزة ، وكان حريا بالتأريخ أن يكشف سود صحائفه ، ولكن التأريخ يجري في ميدان الحكم سواء رضي الناس أم سخطوا.
وكان الامام موسي بن جعفر (عليهالسلام) قد قضي أكثر من عشرين عاما في خلافة المنصور التي امتدت بين عام ١٣٦ ه حتي عام ١٥٨ ه ، وهي فترة ليست بالقصيرة ، اذ أفني زهرة شبابه في حياة هذا الحاكم ، وهو يسفك الدماء بغير الحق ، ويستبيح الذمام ابتداء من القضاء علي الحسنيين وانتهاء بسم الامام الصادق (عليهالسلام). وما رافق ذلك من المظالم الهائلة والارهاب الجماعي ، مما ذهب ضحيته آلاف المسلمين الرساليين ، مضافا الي القضاء علي شباب الهاشميين وشيوخهم قتلا وتشريدا واعتقالا. كما حدث بذلك التأريخ (٢).
وكان الاضطهاد السياسي يتراوح في تلك الحقبة بين قطع الأعناق وقطع الأرزاق ومصادرة الحرية ، فكان علي الناس وهي ترافق هذه الانتهاكات أن تحيا شاهد الخوف والهلع والفقر.
والامام ينظر الي هذا كله ، ولا يستطيع تغيير ذلك جذريا ، وان استطاع أن يفضحه علي رؤوس الأشهاد سلبا أو ايجابا ، غاب عنه الأولياء الا صفوة تعد بأطراف الأصابع ، ادخرهم لتبليغ الرسالة ، واستتر عنه الزعماء فقد
__________________
(١) اليعقوبي / التأريخ ٣ / ١٢١.
(٢) ظ : الأصبهاني / مقاتل الطالبيين / ٣٥٠.