السواد ، دميم المنظر ، فسلم عليه ونزل عنده ، وحادثه طويلا ، ثم عرض عليه نفسه في القيام بحاجته ... فقيل الامام : يابن رسول الله ، أتنزل الي هذا؟ ثم تسأله عن حوائجه ، وهو أحوج اليك؟
فقال : «عبد من عبيدالله ، وأخ في كتاب الله ، وجار في بلاد الله ، يجمعنا واياه خير الآباء آدم ، وأفضل الأديان الاسلام ، ولعل الدهر يرد من حاجتنا اليه ، فيرانا بعد الزهو عليه متواضعين بين يديه» (١).
وهذا النحو من التواضع فيه نظرة فاحصة لأصول الأخوة البشرية في ضوء انسانية الاسلام ، وفيه تلويح بأن بقاء الحال من المحال ، فهذا الرجل المحتاج اليوم ، قد يضطر الآخرون لاحتياجه يوما ما ، وتلك نظرات قل من يدقق فيها منفتحا عليها كما صنع الامام (عليهالسلام).
ظاهرة السخاء والكرم النفسي
نظر الامام الي سرف أبيجعفر المنصور ، وسرف ولده المهدي ، وتبذير موسي الهادي ، ومجون هارون الرشيد ، وهم يتناوبون علي احتجان أموال المسلمين ، ويمعنون بمصادرة أملاكهم ، وحقوق الناس بأيدي الطغمة الحاكمة تدار بها الكؤوس وموائد القمار ، ومجالس العبث واللهو ، فكان الامام بظاهرة سخائه يمثل ردة فعل لاستبداد العباسيين في بخلهم علي الآخرين ، وجشعهم المفرط في الاستيلاء علي مصادر الغني والثروة ، فعمد الي انعاش الضعفاء ، وارفاد المحرومين ، واجراء الرزق علي أهل الفاقة ، فسارت الركبان بأنباء كرمه الفياض ، وتحدث الشعب المسلم عن أفضال هذا السخاء والعطاء. قال الشيخ المفيد : «وكان أوصل الناس لأهله ورحمه ، وكان يتفقد فقراء المدينة في الليل ، فيحمل اليهم الزنبيل فيه العين والورق ،
________________
(١) الأمين الحسيني العاملي / أعيان الشيعة ٤ / ق ٣ / ٤١.