والأدقة والتمور ، فيوصل ذلك ، ولا يعلمون من أي جهة هذا» (١).
وهذا منهج جديد في الاسرار بهذه الأعطيات ، لتكون خالصة لوجهه الكريم ، ولئلا يزري بالفقير فقره ، وقد كفاه الامام ذلك. ولم تكن بين الامام والفقراء أية وساطة ، وانما هو معهم في قضاء حوائجهم وجها لوجه. فقد أورد الأستاذ باقر شريف القرشي : ان بعض الفقراء دخل علي الامام يسأله العطاء ، فقال له الامام : لو جعل لك التمني في الدنيا ، ما كنت تتمني؟
قال : كنت أتمني أن أرزق التقية في ديني ، وقضاء حقوق اخواني ، فاستحسن الامام جوابه ، وأمر أن يعطي ألف دينار (٢).
وكان الامام في كرمه يقابل الألطاف بالاحسان ، والهدية بالعطاء الوفير ، فقد أهدي اليه أحد العبيد في بعض أسفاره شيئا من الألطاف فقبلها الامام بقبول حسن ، وسأل عن اسم العبد ومولاه ، فوقف عليه.
فقال الامام لمولاه : «غلامك فلان تبيعه؟ قال له : جعلت فداك؛ الغلام لك والضيعة ، فاشتري أبوالحسن الضيعة والرقيق بألف دينار ، وأعتق العبد ، ووهب له الضيعة ...» (٣).
وأمثلة كرم الامام عديدة ، وهدفها البر والاحسان ، وطبيعتها اغاثة الملهوف ، وامدادها ذلك الحلال الخالص الذي ينتقيه الامام من طيب ماله وغلات مزارعه ، وأراضيه الموروثة ، وتلك موارد سليمة الأصل ، وربما افتقرت أن يعمل الامام بنفسه علي انمائها ، وأن يتفقدها بذاته من أجل اعمارها؛ وقد يستغرب هذا من الامام مع توفر مساعديه وغلمانه من جهة ، ومع جلالة قدرة وعظيم منزلته من جهة أخري ، ولكنه العمل الذي يوجهنا
__________________
(١) الشيخ المفيد / الارشاد / ٣٣٣.
(٢) باقر شريف القرشي / حياة الامام موسي بن جعفر ١ / ١٥٤ وانظر مصدره.
(٣) ظ : الخطيب البغدادي / تاريخ بغداد / ١٣ / ٢٩ ـ ٣٠ ، محمدحسن آلياسين / الامام موسي بن جعفر / ٥١.