في استخلاف المنصور
لم يكن المنصور حازما كما صوره مدونو التأريخ ، ولم يكن داهية كما يصفه رواة الأحداث ، بل كان من جبابرة الأرض الذين سفكوا الدماء ، وانتهكوا الحرمات. ولم يكن ليتعامل بمنظور ديني علي الاطلاق ، وانما هو الملك الدنيوي العقيم ، فهو لا يتورع عن ارتكاب أفظع الجرائم والموبقات ازاء تثبيت أركان مملكته ، ولا أدل علي ذلك ما اقترفه من قتل الحسنيين تحت كل حجر ومدر ، ومن تتبع آثار المعارضين ابادة وسجونا وطوامير ، حتي طفح الاناء بما فيه شدة وقسوة وتنكيلا.
ومع أن التأريخ الرسمي قد منح الطغاة هالة من التعظيم وشيئا من الاكبار ، الا أن شذرات من تقريراته قد فضحت ذلك الستار الشفاف الذي أحيط بتلك الأبراج العاجية التي استقل في ظلالها دعاة الجور وقتلة الأبرياء. لقد أنزل العباسيون بقيادة أبيجعفر المنصور أفدح العقوبات بأبناء عمومتهم من العلويين ، لم يمنعهم عن ذلك قرابة أو لحمة نسب ، ولم يردعهم دين أو ورع ، وانما هو الاستئثار الشامل بكل شيء ، والأحكام العرفية الصارمة لأدني مخالفة ، ولم تكن جرائم المنصور نفسه بريئة من