جعلتك حسبي في أموري كلها |
|
وما خاب من أضحي وأنت له حسب |
والظاهرة الجديرة بالاهتمام أن الامام كان منذ صباه يتمتع بحياة عقلية نيرة ، يعي المسائل بفكر ثاقب ، ويجيب السائل بادراك متوهج ، حتي كان مثار اعجاب العلماء والفقهاء ، وقد تحدثوا عن ذلك بشكل مدهش ينم عن الاعجاب والاكبار.
فقد روي الاربلي عن أبيحنيفة امام المذهب الحنفي قوله :
«رأيت موسي بن جعفر وهو صغير السن في دهليز أبيه ، فقلت : أين يحدث الغريب منكم اذا أراد ذلك؟ فنظر الي ثم قال : يتواري خلف الجدار ، ويتوقي أعين الجار ، ويتجنب شطوط الأنهار ومساقط الثمار ، وأفنية الدور والطرق النافذة والمساجد ، ولا يستقبل القبلة ولا يستدبرها ، ويرفع ويضع بعد ذلك حيث شاء».
قال : فلما سمعت هذا القول نبل في عيني ، وعظم في قلبي ، فقلت له : ممن المعصية؟ فقال :
«ان المعصية لابد أن تكون من العبد ، أو من ربه ، أو منهما جميعا. فان كانت من الله (تعالي) ، فهو أعدل وأنصف من أن يظلم عبده ، أو يؤاخذه بما لم يفعله ، وان كانت منهما فهو شريكه. والقوي أولي بانصاف الضعيف. وان كانت من العبد وحده فعليه وقع الأمر ، واليه توجه النهي ، وله حق الثواب والعقاب ، ووجبت الجنة والنار».
قال أبوحنيفة : فقلت : «ذرية بعضها من بعض» (١).
وهذه الاجابة في شطرها الأول بدا بها الامام في صباه فقيها ناطقا بالسنة ، وصادعا بالافتاء ، وفي شطرها الثاني بدا متكلما نزه الباري عن
__________________
(١) ابن شهر آشوب / المناقب ٣ / ٤٢٩.