تعيين الامام لحدود فدك ـ صلابة موقف الامام موسي بن جعفر (١).
وأخيرا أقدم الرشيد علي فعلته النكراء فكان سفيها حقا ، فحج البيت مبتدئا بقبر النبي (صلي الله عليه وآله) مخاطبا له :
«يا رسول الله؛ اني أعتذر اليك من شيء أريد أن أفعله ، أريد أن أحبس موسي بن جعفر ، فانه يريد التشتت بين أمتك وسفك دمائها» (٢).
ولست أدري كيف يقبل عذره؟ أو يقبل رسول الله عذره؟ وهو يريد اعتقال بضعة منه ، ومن ذا الذي يصدق هذا السفه اللا مسؤول الذي أطلقه الرشيد علي عواهنه؟ ومتي أراد الامام تشتيت الأمة وهو الداعي الي وحدتها ، ومتي أراد سفك دمائها؟ والحل والعقد بيد أبناء الطلقاء من العباسيين.
ان هذا الاعتداء السافر علي حرمة رسول الله (صلي الله عليه وآله) كان علي مسمع ومشهد من المسلمين ، وهم يستمعون ذلك ويسخرون منه ، والرشيد ينتهك الحرمة ومقاييس الأدب بحضرة الرسول الأعظم ، والامام تقطع عليه صلاته ولا يمهل لاتمامها ، ويؤخذ مكبلا بالحديد من مسجد جده ، وهناك قبتان ضربت من دونهما الأشعار ، لا يعلم الامام بأيهما هو ، وتؤخذ واحدة بطريقها الي البصرة ، والأخري نحو الكوفة ، ليعمي علي الناس خبره ، وكان الامام في التي مضت الي البصرة (٣). (صفحه ٢٢٩) وهكذا ينتزع الامام جهارا من مدينة جده ، ويتولي شؤونه في مسيرة هذا زمرة من الغلاظ الشداد ، حيث تنتظره معتقلات الطاغية. وكان الامام قد استدعي الي بغداد في عهد المهدي وسجن في بغداد ، فليس السجن علي الامام بجديد (٤).
__________________
(١) ظ : باقر شريف القرشي / حياة الامام موسي بن جعفر ٢ / ٤٤٣ ـ ٤٦٠.
(٢) المجلسي / البحار ٤٨ / ٢٣٢.
(٣) ظ : تفصيلات ذلك؛ المجلسي / بحارالأنوار ٤٨ / ٢٣٢.
(٤) ظ : الخطيب البغدادي / تأريخ بغداد ١٣ / ٢٧ ، ابن كثير / البداية والنهاية ١٠ / ١٥٣ ، القندوزي / ينابيع المودة / ٣٨٢.