الوضع بالبصرة احتجاجا علي سجن الامام ، وقد بلغ الرشيد ذلك ، فبادر بالطلب الي عيسي أن يقوم باغتيال الامام (عليهالسلام) فجمع عيسي مستشاريه وعرض عليهم أمر الرشيد ، فحذروه من قتل الامام فاستجاب لهم ، وقد كان كارها لذلك ، وكتب الي الرشيد يستعفيه من هذه المهمة ، ويدل علي هذا الرسالة المفصلة التي بعث بها عيسي الي الرشيد ، يقول فيها :
يا أميرالمؤمنين ، كتبت الي في هذا المجال ، وقد اختبرته طول مقامه بمن حبسته معه عينا عليه ، لينظروا حيلته وأمره وطويته ممن له المعرفة والدراية ، ويجري من الانسان مجري الدم ، فلم يكن منه سوء قط ، ولم يذكر أميرالمؤمنين الا بخير ، ولم يكن عنده تطلع الي ولاية ، ولا خروج ، ولا شيء من أمر الدنيا ، ولا دعا قط علي أميرالمؤمنين ، ولا علي أحد من الناس ، ولا يدعو الا بالمغفرة والرحمة له ولجميع المسلمين ، مع ملازمته للصيام والصلاة والعبادة ، فان رأي أميرالمؤمنين أن يعفيني من أمره ، أو ينفذ من يتسلمه مني ، والا سرحت سبيله ، فاني منه في غاية الحرج (١).
ويبدو من عرض هذه الرسالة وأسلوبها الرقيق أن عيسي بن جعفر أراد أن يخفف ما في نفس الرشيد عن الامام ، فأنبأه بأنه في ظل رقابة صارمة ، وأن عينا عليه في السجن يلحظه بدقة متناهية ، ينظر في أمره ويوافيه بأخباره ، وأنه لم يذكر الرشيد الا بخير ، وأنه اختبره فوجده عازفا عن السلطان ، لا يتطلع الي ولاية ، وليس من رأيه الخروج علي الرشيد ، وطلب اليه تخلية سبيله ، واطلاقه من سجنه ، والا أطلق سراحه.
وكان الامام قد قضي سنة كاملة في سجن عيسي ، واستجاب الرشيد لطلب عيسي فنقله الي الفضل بن الربيع في بغداد (٢).
__________________
(١) ظ : الأصبهاني / مقاتل الطالبيين / ٥٠٢ ، الشيخ المفيد / الارشاد / ٣٣٧ ، الاربلي / كشف الغمة ٣ / ٢٥.
(٢) ظ : المجلسي / بحارالأنوار ٤٨ / ٢٣٣.