مات حتف أنفه ، ليتخلص من أية مسؤولية.
هكذا أراد الرشيد ، وهكذا خطط الرشيد.
وذهبت مصادر دراسة حياة الامام موسي بن جعفر (عليهالسلام) الي أن سجونه قد تعددت وتكررت ، وأن مواضعها قد تنوعت وتوزعت ، وأنه سجن في البصرة مرة ، وسجن في بغداد مرات. وكان في البصرة في سجن عيسي بن جعفر بن المنصور الدوانيقي ، وهو والي البصرة من قبل الرشيد ، وقد نظر في شأن الامام وأمره ، فذهل الرجل بعبادته وانابته ، وأعجب بصبره وخلقه الرفيع ، واستمع الي الامام في دعائه ، واذا به يقول :
«اللهم ، انك تعلم أني كنت أسألك أن تفرغني لعبادتك ، اللهم وقد فعلت ، فلك الحمد» (١).
وكان عيسي بن جعفر ـ فيما يبدو ـ عاقلا متأنيا ، فما أراد أن يتورط في شيء من أمر الامام ، ويبدو أن الامام كان عنده موسعا عليه في سجنه ، وقد أتيحت له فيه الحرية بعض الشيء ، اذ تمكن جملة من رواة الحديث من الاتصال بالامام والاستماع اليه ، وكان منهم ياسين الزياتي ، فقد روي عن الامام بعض الأحكام وهو في سجن البصرة.
ومكث الامام في سجن البصرة سنة ، فتململ عيسي بن جعفر بذلك ، ثم كتب الي الرشيد : أن خذه مني ، وسلمه الي من شئت ، والا خليت سبيله ، فقد اجتهدت بأن أجد عليه حجة فما أقدر علي ذلك ، حتي اني لأتسمع عليه اذا دعا ، لعله يدعو علي أو عليك ، فما أسمعه يدعو الا لنفسه ، يسأل الرحمة والمغفرة. فوجه الرشيد من تسلمه منه (٢).
ويبدو أن هذه الرسالة من عيسي الي الرشيد قد كتبت بعد أن اضطرب
__________________
(١) ابن شهر آشوب / المناقب ٣ / ٤٣٢ ، البحار ٤٨ / ١٠٧.
(٢) ظ : المجلسي / بحارالأنوار ٤٨ / ٢٣٣.