والتعامل مع الورع والتقوي منظور متطور لا يوازيه ذلك التهرب من الواقع ، ولا التخفف من أعباء الحياة ، وهما يمثلان لدي الامام حقيقة تأريخية في الاجتماع والاندماج مع الناس ، ولأنهما مفهومان من مفاهيم الاسلام فهما يتأطران بالصلاح والاصلاح ورباطة الجأش ، وينزعان الي الصلابة والايثار والايمان المطلق ، نعم هما مرتبطان بذلك الوثاق النزيه الطاهر : خشية الله في السر والعلن ، والخوف منه في الشدة والرخاء ، وهما مظهران للعبودية الخالصة المطمئنة ، ومن هذا الخلال وصف الامام بأنه أعبد أهل زمانه وأفقههم ، وكان يصلي نوافل الليل فيصلها بصلاة الصبح ، فاذا طلعت الشمس خر ساجدا لله ، ويقول في دعائه :
«اللهم اني أسألك الراحة عند الموت ، والعفو عند الحساب».
ومن دعائه : «عظم الذنب من عبدك ، فليحسن العفو من عندك».
وكان يبكي من خشية الله حتي تخضل لحيته بالدموع ، وكان أوصل الناس لأهله ورحمه (١).
وكان يجازي المسيء باحسانه اليه ، ويقابل الجاني بعفوه عنه (٢) وهذه ظواهر ايمانية ايجابية تمثل الورع والتقوي في صور متعددة ، وكان عمله يكشف عن هذه الحقيقة في ملامح من رياضة السلوك ، تحتضن الزهد والتقشف والدربة كما حدث أخوه علي بن جعفر ، قال : «خرجنا مع أخي موسي بن جعفر (عليهالسلام) في أربع عمر يمشي فيها الي مكة بعياله وأهله ، واحدة منهن مشي فيها ستة وعشرين يوما!! وأخري خمسة وعشرين يوما ، وأخري أربعة وعشرين يوما!! وأخري أحد عشر يوما» (٣).
وفي هذا المسلك توطين للنفس علي الشدائد ، ورغبة ملحة في
__________________
(١) ظ : الشيخ المفيد / الارشاد / ٣٣٢.
(٢) ابنطلحة الشافعي / مطالب السؤول ٢ / ٦١.
(٣) المجلسي / بحارالأنوار ٤٨ / ١٠٠ وانظر مصدره.