فوثب أصحابه فقالوا له : ما قصتك؟ قد كنت تقول خلاف هذا ، قال : فخاصمهم وشاتمهم ، وجعل يدعو لأبيالحسن موسي كلما دخل وخرج» (١).
ومن برامج حلم الامام وكظمه الغيظ : مداراته للناس ، وذلك ما يحتاج الي رحابة صدر ، وسعة أفق ، وانفتاح نفس ، وله في ذلك أمثلة نابضة ، ولعل من أطرفها : «أنه اجتاز بشر ذمة وفيهم ابنهياج فأمر بعض اتباعه أن يتعلق بلجام بغلة الامام ويدعيها ، فمضي الرجل الي الأمام ، وتعلق بلجام بغلته وادعاها ، فعرف الامام غايته ، فنزل عن بغلته ، وأعطاها له (٢).
ومن أمثلة حلمه الرائعة ضم الحلم الي الكرم ، والتجاوز عن أصحاب السيئات ، وقد روي الكليني عن معتب قال :
«كان أبوالحسن موسي (عليهالسلام) في حائط له يصرم ، فنظرت الي غلام له قد أخذ كارة من تمر فرمي بها وراء الحائط ، فأتيته فأخذته وذهبت به اليه ، فقلت : جعلت فداك؛ اني وجدت هذا وهذه الكارة ، فقال للغلام : فلان ، قال : لبيك ، قال : أتجوع؟ قال : لا يا سيدي ، قال : فتعري؟ قال : لا يا سيدي ، قال : فلأي شيء أخذت هذه؟ قال : اشتهيت ذلك. قال : اذهب فهي لك ، وقال : خلوا عنه» (٣).
وقد يكون الحلم وكرم الأخلاق عسيرا في اللحظات الحاسمة ، وقد يخرج المرء عن طوره في الاتزان عند الحرج ، ولكن الامام في مثل هذا الموقع كان سيد الموقف ، فقد روي ابن أبيالحديد المعتزلي :
«أن عبدا لموسي بن جعفر (عليهالسلام) قدم له صحفة فيها طعام حار ، فعجل فصبها علي رأسه ووجهه ، فغضب فقال له :
__________________
(١) المفيد / الارشاد / ٣٣٣ ، الخطيب البغدادي / تأريخ بغداد ١٣ / ٢٨.
(٢) ظ : المجلسي / بحارالأنوار ٤٨ /.
(٣) الكليني / الكافي ٢ / ١٠٨.