(إِنَّ الْمُبَذِّرِينَ كانُوا إِخْوانَ الشَّياطِينِ وَكانَ الشَّيْطانُ لِرَبِّهِ كَفُوراً (٢٧) وَإِمَّا تُعْرِضَنَّ عَنْهُمُ ابْتِغاءَ رَحْمَةٍ مِنْ رَبِّكَ تَرْجُوها فَقُلْ لَهُمْ قَوْلاً مَيْسُوراً (٢٨) وَلا تَجْعَلْ يَدَكَ مَغْلُولَةً إِلى عُنُقِكَ وَلا تَبْسُطْها كُلَّ الْبَسْطِ فَتَقْعُدَ مَلُوماً مَحْسُوراً) (٢٩)
____________________________________
* والبسط فإن الكل من التصرفات المالية (وَلا تُبَذِّرْ تَبْذِيراً) نهى عن صرف المال إلى من سواهم ممن لا يستحقه فإن التبذير تفريق فى غير موضعه مأخوذ من تفريق حبات وإلقائها كيفما كان من غير تعهد لمواقعه لا عن الإكثار فى صرفه إليهم وإلا لناسبه الإسراف الذى هو تجاوز الحد فى صرفه وقد نهى عنه بقوله تعالى (وَلا تَبْسُطْها) وكلاهما مذموم (إِنَّ الْمُبَذِّرِينَ كانُوا إِخْوانَ الشَّياطِينِ) تعليل للنهى عن التبذير ببيان أنه يجعل صاحبه ملزوزا فى قرن الشياطين والمراد بالإخوة المماثلة التامة فى كل مالا خير فيه من صفات السوء التى من جملتها التبذير أى كانوا بما فعلوا من التبذير أمثال الشياطين أو الصداقة والملازمة أى كانوا أصدقاءهم وأتباعهم فيما ذكر من التبذير والصرف فى المعاصى فإنهم كانوا ينحرون الإبل ويتياسرون عليها ويبذرون أموالهم فى السمعة وسائر مالا خير فيه من المناهى والملاهى أو المقارنة* أى قرناءهم فى النار على سبيل الوعيد (وَكانَ الشَّيْطانُ لِرَبِّهِ كَفُوراً) من تتمة التعليل أى مبالغا فى كفران نعمته تعالى لأن شأنه أن يصرف جميع ما أعطاه الله تعالى من القوى والقدر إلى غير ما خلقت هى له من أنواع المعاصى والإفساد فى الأرض وإضلال الناس وحملهم على الكفر بالله وكفران نعمه الفائضة عليهم وصرفها إلى غير ما أمر الله تعالى به وتخصيص هذا الوصف بالذكر من بين سائر أوصافه القبيحة للإيذان بأن التبذير الذى هو عبارة عن صرف نعم الله تعالى إلى غير مصرفها من باب الكفران المقابل للشكر الذى هو عبارة عن صرفها إلى ما خلقت هى له والتعرض لوصف الربوبية للإشعار بكمال عتوه فإن كفران نعمة الرب مع كون الربوبية من قوى الدواعى إلى شكرها غاية الكفران ونهاية الضلال والطغيان (وَإِمَّا تُعْرِضَنَّ عَنْهُمُ) أى إن اعتراك أمر اضطرك إلى أن تعرض عن أولئك المستحقين (ابْتِغاءَ رَحْمَةٍ مِنْ رَبِّكَ) أى لفقد رزق من ربك إقامة للمسبب مقام السبب فإن الفقد سبب للابتغاء (تَرْجُوها) من الله تعالى لتعطيهم وكان صلىاللهعليهوسلم إذا سئل شيئا وليس عنده أعرض عن السائل وسكت حياء فأمر بتعهدهم* بالقول الجميل لئلا تعتريهم الوحشة بسكوته صلىاللهعليهوسلم فقيل (فَقُلْ لَهُمْ قَوْلاً مَيْسُوراً) سهلا لينا وعدهم وعدا جميلا من يسر الأمر نحو سعد أو قل لهم رزقنا الله وإياكم من فضله على أنه دعاء لهم ييسر عليهم فقرهم (وَلا تَجْعَلْ يَدَكَ مَغْلُولَةً إِلى عُنُقِكَ وَلا تَبْسُطْها كُلَّ الْبَسْطِ) تمثيلان لمنع الشحيح وإسراف المبذر زجرا لهما عنهما وحملا على ما بينهما من الاقتصاد [كلا طرفى قصد الأمور ذميم] وحيث كان قبح الشح مقارنا له معلوما من أول الأمر روعى ذلك فى التصوير بأقبح الصور ولما كان غائلة الإسراف فى آخره بين قبحه* فى أثره فقيل (فَتَقْعُدَ مَلُوماً) أى فتصير ملوما عند الله وعند الناس وعند نفسك إذا احتجت وندمت* على ما فعلت (مَحْسُوراً) نادما أو منقطعا بك لا شىء عندك من حسره السفر إذا بلغ منه وما قيل من أنه