(إِنَّ رَبَّكَ يَبْسُطُ الرِّزْقَ لِمَنْ يَشاءُ وَيَقْدِرُ إِنَّهُ كانَ بِعِبادِهِ خَبِيراً بَصِيراً (٣٠) وَلا تَقْتُلُوا أَوْلادَكُمْ خَشْيَةَ إِمْلاقٍ نَحْنُ نَرْزُقُهُمْ وَإِيَّاكُمْ إِنَّ قَتْلَهُمْ كانَ خِطْأً كَبِيراً (٣١) وَلا تَقْرَبُوا الزِّنى إِنَّهُ كانَ فاحِشَةً وَساءَ سَبِيلاً) (٣٢)
____________________________________
روى عن جابر رضى الله عنه أنه قال بينا رسول الله صلىاللهعليهوسلم قاعد إذ أتاه صبى فقال إن أمى تستكسيك درعا فقال صلىاللهعليهوسلم من ساعة إلى ساعة فعد إلينا فذهب إلى أمه فقالت له قل إن أمى تستكسيك الدرع الذى عليك فدخل صلىاللهعليهوسلم داره ونزع قميصه وأعطاه وقعد عريانا وأذن بلال وانتظروا فلم يخرج للصلاة فنزلت فيأباه أن السورة مكية خلا آيات فى آخرها كذا ما قيل إنه صلىاللهعليهوسلم أعطى الأقرع بن حابس مائة من الإبل وكذا عيينة بن حصن الفزارى فجاء عباس بن مرداس فأنشأ يقول[أتجعل نهبى ونهب العبي * د بين عيينة والأقرع] * [وما كان حصن ولا حابس * يفوقان مرداس فى مجمع] * [وما كنت دون امرىء منهما * ومن تضع اليوم لا يرفع] فقال صلىاللهعليهوسلم يا أبا بكر اقطع لسانه عنى أعطه مائة من الإبل وكانوا جميعا من المؤلفة القلوب فنزلت (إِنَّ رَبَّكَ يَبْسُطُ الرِّزْقَ لِمَنْ يَشاءُ وَيَقْدِرُ) تعليل لما مر أى يوسعه على بعض ويضيقه على آخرين حسبما تتعلق به مشيئته التابعة للحكمة فليس ما يرهقك من الإضافة التى تحوجك إلى الإعراض عن السائلين أو نفاد ما فى يدك إذا بسطتها كل البسط إلا لمصلحتك (إِنَّهُ كانَ بِعِبادِهِ خَبِيراً بَصِيراً) تعليل لما سبق أى يعلم* سرهم وعلنهم فيعلم من مصالحهم ما يخفى عليهم ويجوز أن يراد أن البسط والقبض من أمر الله العالم بالسرائر والظواهر الذى بيده خزائن السموات والأرض وأما العباد فعليهم أن يقتصدوا وأن يراد أنه تعالى يبسط تارة ويقبض أخرى فاستنوا بسنته فلا تقبضوا كل القبض ولا تبسطوا كل البسط وأن يراد أنه تعالى يبسط ويقدر حسب مشيئته فلا تبسطوا على من قدر عليه رزقه وأن يكون تمهيدا لقوله (وَلا تَقْتُلُوا أَوْلادَكُمْ خَشْيَةَ إِمْلاقٍ) أى مخافة فقر وقرىء بكسر الخاء كانوا يئدون بناتهم مخافة الفقر فنهوا عن ذلك (نَحْنُ نَرْزُقُهُمْ وَإِيَّاكُمْ) لا أنتم فلا تخافوا الفاقة بناء على علمكم بعجزكم عن تحصيل رزقهم وهو ضمان لرزقهم وتعليل للنهى المذكور بإبطال موجبه فى زعمهم وتقديم ضمير الأولاد على المخاطبين على عكس ما وقع فى سورة الأنعام للإشعار بإصالتهم فى إفاضة الرزق أو لأن الباعث على القتل هناك الإملاق الناجز ولذلك قيل من إملاق وههنا الإملاق المتوقع ولذلك قيل خشية إملاق فكأنه قيل نرزقهم من غير أن ينتقص من رزقكم شىء فيعتريكم ما تخشونه وإياكم أيضا رزقا إلى رزقكم (إِنَّ قَتْلَهُمْ كانَ خِطْأً كَبِيراً) تعليل آخر ببيان أن المنهى عنه فى نفسه* منكر عظيم والخطء الذنب والإثم يقال خطىء خطأ كأثم إثما وقرىء بالفتح والسكون وبفتحتين بمعناه كالحذر والحذر وقيل بمعنى ضد الصواب وبكسر الخاء والمد وبفتحها ممدودا وبفتحها وحذف الهمزة وبكسرها كذلك (وَلا تَقْرَبُوا الزِّنى) بمباشرة مباديه القريبة أو البعيدة فضلا عن مباشرته وإنما نهى عن قربانه على خلاف ما سبق ولحق من القتل للمبالغة فى النهى عن نفسه ولأن قربانه داع إلى مباشرته وتوسيط النهى