(وَرَبُّكَ الْغَفُورُ ذُو الرَّحْمَةِ لَوْ يُؤاخِذُهُمْ بِما كَسَبُوا لَعَجَّلَ لَهُمُ الْعَذابَ بَلْ لَهُمْ مَوْعِدٌ لَنْ يَجِدُوا مِنْ دُونِهِ مَوْئِلاً (٥٨) وَتِلْكَ الْقُرى أَهْلَكْناهُمْ لَمَّا ظَلَمُوا وَجَعَلْنا لِمَهْلِكِهِمْ مَوْعِداً (٥٩) وَإِذْ قالَ مُوسى لِفَتاهُ لا أَبْرَحُ حَتَّى أَبْلُغَ مَجْمَعَ الْبَحْرَيْنِ أَوْ أَمْضِيَ حُقُباً) (٦٠)
____________________________________
(وَرَبُّكَ) مبتدأ وقوله تعالى (الْغَفُورُ) خبره وقوله تعالى (ذُو الرَّحْمَةِ) أى الموصوف بها خبر بعد خبر وإيراد المغفرة على صيغة المبالغة دون الرحمة للتنبيه على كثرة الذنوب ولأن المغفرة ترك المضار وهو سبحانه قادر على ترك مالا يتناهى من العذاب وأما الرحمة فهى فعل وإيجاد ولا يدخل تحت الوجود إلا ما يتناهى وتقديم الوصف الأول لأن التخلية قبل التحلية أو لأنه أهم بحسب الحال إذا لمقام مقام بيان تأخير العقوبة عنهم بعد استيجابهم لها كما يعرب عنه قوله عزوجل (لَوْ يُؤاخِذُهُمْ) أى لو يريد مؤاخذتهم (بِما كَسَبُوا) من المعاصى التى من جملتها ما حكى عنهم من مجادلتهم بالباطل وإعراضهم عن آيات ربهم وعدم المبالاة بما اجترحوا من الموبقات (لَعَجَّلَ لَهُمُ الْعَذابَ) لاستيجاب أعمالهم لذلك وإيثار المؤاخذة المنبئة عن شدة الأخذ بسرعة على التعذيب والعقوبة ونحوهما للإيذان بأن النفى المستفاد من مقدم الشرطية متعلق بوصف السرعة كما ينبىء عنه تاليها وإيثار صيغة الاستقبال وإن كان المعنى على المضى لإفادة أن انتفاء تعجيل العذاب لهم بسبب استمرار عدم إرادة المؤاخذة فإن المضارع الواقع موقع الماضى يفيد استمرار انتفاء الفعل فيما مضى كما حقق فى موضعه (بَلْ لَهُمْ مَوْعِدٌ) اسم زمان هو يوم بدر أو يوم القيامة والجملة معطوفة على مقدر كأنه قيل لكنهم ليسوا بمؤاخذين بغتة (لَنْ يَجِدُوا) البتة (مِنْ دُونِهِ مَوْئِلاً) منجى أو ملجأ يقال وأل أى نجا ووأل إليه أى لجأ إليه (وَتِلْكَ الْقُرى) أى قرى عاد وثمود وأضرابها وهى مبتدأ على تقدير المضاف أى وأهل تلك القرى خبره قوله تعالى (أَهْلَكْناهُمْ) أو مفعول مضمر مفسر به (لَمَّا ظَلَمُوا) أى وقت ظلمهم كما فعلت قريش بما حكى عنهم من القبائح وترك المفعول إما لتعميم الظلم أو لتنزيله منزلة اللازم أى لما فعلوا الظلم ولما إما حرف كما قال ابن عصفور وإما ظرف استعمل للتعليل وليس المراد به الوقت المعين الذى عملوا فيه الظلم بل زمان ممتد من ابتداء الظلم إلى آخره (وَجَعَلْنا لِمَهْلِكِهِمْ) أى عينا لهلاكهم (مَوْعِداً) أى وقتا معينا لا محيد لهم عن ذلك وهذا استشهاد على ما فعل بقريش من تعيين الموعد ليتنبهوا لذلك ولا يغتروا بتأخر العذاب وقرىء بضم الميم وفتح اللام أى إهلاكهم وبفتحهما (وَإِذْ قالَ مُوسى) نصب بإضمار فعل أى اذكر وقت قوله عليهالسلام (لِفَتاهُ) وهو يوشع بن نون بن أفرايم بن يوسف عليهالسلام سمى فتاه إذ كان يخدمه ويتبعه وقيل كان يتعلم منه ويسمى التلميذ فتى وإن كان شيخا ولعل المراد بتذكيره عقيب بيان أن لكل أمة موعدا تذكير ما فى القصة من موعد الملاقاة مع ما فيها من سائر المنافع الجليلة (لا أَبْرَحُ) من برح الناقص كزال يزال أى لا أزال أسير فحذف الخبر اعتمادا على