(فَلَمَّا بَلَغا مَجْمَعَ بَيْنِهِما نَسِيا حُوتَهُما فَاتَّخَذَ سَبِيلَهُ فِي الْبَحْرِ سَرَباً (٦١) فَلَمَّا جاوَزا قالَ لِفَتاهُ آتِنا غَداءَنا لَقَدْ لَقِينا مِنْ سَفَرِنا هذا نَصَباً) (٦٢)
____________________________________
* قرينة الحال إذ كان ذلك عند التوجه إلى السفر واتكالا على ما يعقبه من قوله (حَتَّى أَبْلُغَ) فإن ذلك غاية تستدعى ذا غاية يؤدى إليها ويجوز أن يكون أصل الكلام لا يبرح مسيرى حاصلا حتى أبلغ فيحذف المضاف ويقام المضاف إليه مقامه فينقلب الضمير البارز المجرور المحل مرفوعا مستكنا والفعل من صيغة الغيبة إلى* التكلم ويجوز أن يكون من برح التام كزال يزول أى لا أفارق ما أنا بصدده حتى أبلغ (مَجْمَعَ الْبَحْرَيْنِ) هو ملتقى بحر فارس والروم مما يلى المشرق وقيل طنجة وقيل هما الكر والرس بار مينية وقيل أفريقية وقرىء* بكسر الميم كمشرق (أَوْ أَمْضِيَ حُقُباً) أسير زمانا طويلا أتيقن معه فوات المطلب والحقب الدهر أو ثمانون سنة وكان منشأ هذه العزيمة أن موسى عليهالسلام لما ظهر على مصر مع بنى إسرائيل واستقروا بها بعد هلاك القبط أمره الله عزوجل أن يذكر قومه النعمة فقام فيهم خطيبا بخطبة بديعة رقت بها القلوب وذرفت العيون فقالوا له من أعلم الناس قال أنا فعتب الله تعالى عليه إذ لم يرد العلم إليه عزوجل فأوحى إليه بل أعلم منك عبد لى عند مجمع البحرين وهو الخضر عليهالسلام وكان فى أيام أفريذون قبل موسى عليهالسلام وكان على مقدمة ذى القرنين الأكبر وبقى إلى أيام موسى وقيل إن موسى عليهالسلام سأل ربه أى عبادك أحب إليك قال الذى يذكرنى ولا ينسانى قال فأى عبادك أقضى قال الذى يقضى بالحق ولا يتبع الهوى قال فأى عبادك أعلم قال الذى يبتغى علم الناس إلى علمه عسى أن يصيب كلمة تدله على هدى أو ترده عن ردى فقال إن كان فى عبادك من هو أعلم منى فدلنى عليه قال أعلم منك الخضر قال أين أطلبه قال على ساحل البحر عند الصخرة قال يا رب كيف لى به قال تأخذ حوتا فى مكتل فحيثما فقدته فهو هناك فأخذ حوتا فجعله فى مكتل فقال لفتاه إذا فقدت الحوت فأخبرنى فذهبا يمشيان (فَلَمَّا بَلَغا) الفاء فصيحة كما أشير إليه (مَجْمَعَ بَيْنِهِما) أى مجمع البحرين وبينهما ظرف أضيف إليه اتساعا أو بمعنى الوصل (نَسِيا حُوتَهُما) الذى جعل فقدانه أماراة وجدان المطلوب أى نسيا تفقد أمره وما يكون منه وقيل نسى بوشع أن يقدمه وموسى عليه أن يأمره فيه بشىء. روى أنهما لما بلغا مجمع البحرين وفيه الصخرة وعين الحياة التى لا يصيب ماؤها ميتا إلا حيى وصغار رءوسهما على الصخرة فناما فلما أصاب الحوت برد الماء وروحه عاش وقد كانا أكلا منه وكان ذلك بعد ما استيقظ يوشع عليهالسلام وقيل توضأ عليهالسلام من تلك العين فانتضح الماء على الحوت* فعاش فوقع فى الماء (فَاتَّخَذَ سَبِيلَهُ فِي الْبَحْرِ سَرَباً) مسلكا كالسرب وهو النفق قيل أمسك الله عزوجل جرية الماء على الحوت فصار كالطاق عليه معجزة لموسى أو للخضر عليهماالسلام وانتصاب سربا على أنه مفعول ثان لاتخذ وفى البحر حال منه أو من السبيل ويجوز أن يتعلق باتخذ (فَلَمَّا جاوَزا) أى مجمع البحرين الذى جعل موعدا للملاقاة قيل أدلجا وسارا الليلة والغد إلى الظهر وألقى على لموسى عليهالسلام* الجوع فعند ذلك (قالَ لِفَتاهُ آتِنا غَداءَنا) أى ما نتغدى به وهو الحوت كما ينبىء عنه الجواب (لَقَدْ لَقِينا مِنْ