(قالَ أَرَأَيْتَ إِذْ أَوَيْنا إِلَى الصَّخْرَةِ فَإِنِّي نَسِيتُ الْحُوتَ وَما أَنْسانِيهُ إِلاَّ الشَّيْطانُ أَنْ أَذْكُرَهُ وَاتَّخَذَ سَبِيلَهُ فِي الْبَحْرِ عَجَباً (٦٣) قالَ ذلِكَ ما كُنَّا نَبْغِ فَارْتَدَّا عَلى آثارِهِما قَصَصاً) (٦٤)
____________________________________
سَفَرِنا هذا) إشارة إلى ما سارا بعد مجاوزة الموعد (نَصَباً) تعبا وإعياء قيل لم ينصب ولم يجمع قبل ذلك* والجملة فى محل التعليل للأمر بإيتاء الغداء إما باعتيار أن النصب إنما يعترى بسبب الضعف الناشىء عن الجوع وإما باعتبار ما فى أثناء التغدى من استراحة ما (قالَ) أى فتاه عليهالسلام (أَرَأَيْتَ إِذْ أَوَيْنا إِلَى الصَّخْرَةِ) أى النجأنا إليها وأقمنا عندها وذكر الإواء إليها مع أن المذكور فيما سبق مرتين بلوغ مجمع البحرين لزيادة تعيين محل الحادثة فإن المجمع محل متسع لا يمكن تحقيق المراد المذكور بنسبة الحادثة إليه ولتمهيد العذر فإن الأواء إليها والنوم عندها مما يؤدى إلى النسيان عادة والرؤية مستعارة للمعرفة التامة والمشاهدة الكاملة ومراده بالاستفهام تعجيب موسى عليهالسلام مما اعتراه هناك من النسيان مع كون ما شاهده من العظائم التى لا تكاد تنسى وقد جعل فقدانه علامة لوجدان المطلوب وهذا أسلوب معتاد فيما بين الناس يقول أحدهم لصاحبه إذا نابه خطب أرأيت ما نابنى يريد بذلك تهويله وتعجيب صاحبه منه وأنه مما لا يعهد وقوعه لا استخباره عن ذلك كما قيل والمفعول محذوف اعتمادا على ما يدل عليه من قوله عزوجل (فَإِنِّي نَسِيتُ الْحُوتَ) وفيه تأكيد للتعجيب وتربية لاستعظام المنسى وإيقاع النسيان على اسم الحوت دون ضمير الغداء مع أنه المأمور بإتيانه للتنبيه من أول الأمر على أنه ليس من قبيل نسيان المسافر زاده فى المنزل وأن ما شاهده ليس من قبيل الأحوال المتعلقة بالغداء من حيث هو غداء وطعام بل من حيث هو حوت كسائر الحيتان مع زيادة أى نسيت أن أذكر لك أمره وما شاهدت منه من الأمور العجيبة (وَما أَنْسانِيهُ إِلَّا الشَّيْطانُ) بوسوسته الشاغلة عن ذلك وقوله تعالى (أَنْ أَذْكُرَهُ) بدل اشتمال من الضمير أى ما أنسانى ان* اذكره لك وفى تعليق الإنساء بضمير الحوت أولا وبذكره له ثانيا على طريق الإبدال المنبىء عن تنحية المبدل منه إشارة إلى ان متعلق النسيان أيضا ليس نفس الحوت بل ذكر أمره وقرىء أن أذكره وإيثار أن أذكره على المصدر للمبالغة فإن مدلوله نفس الحدث عند وقوعه والحال وإن كانت غريبة لا يعهد نسيانها لكنه لما تعود بمشاهدة أمثالها عند موسى عليهالسلام وألفها قل اهتمامه بالمحافظة عليها (وَاتَّخَذَ سَبِيلَهُ فِي الْبَحْرِ عَجَباً) بيان لطرف من أمر الحوت منبىء عن طرف آخر منه وما بينهما اعتراض قدم عليه للاعتناء بالاعتذار كأنه قيل حيى واضطرب ووقع فى البحر واتخذ سبيله فيه سبيلا عجبا فعجبا ثانى مفعولى اتخذ والظرف حال من أولهما أو ثانيهما أو هو المفعول الثانى وعجبا صفة مصدر محذوف أى اتخاذا عجبا وهو كون مسلكه كالطاق والسرب أو مصدر فعل محذوف أى أتعجب منه عجبا وقد قيل إنه من كلام موسى عليه الصلاة والسلام وليس بذاك (قالَ) أى موسى عليه الصلاة والسلام (ذلِكَ) الذى ذكرت من أمر الحوت (ما كُنَّا