(وَأَتَيْناكَ بِالْحَقِّ وَإِنَّا لَصادِقُونَ (٦٤) فَأَسْرِ بِأَهْلِكَ بِقِطْعٍ مِنَ اللَّيْلِ وَاتَّبِعْ أَدْبارَهُمْ وَلا يَلْتَفِتْ مِنْكُمْ أَحَدٌ وَامْضُوا حَيْثُ تُؤْمَرُونَ (٦٥) وَقَضَيْنا إِلَيْهِ ذلِكَ الْأَمْرَ أَنَّ دابِرَ هؤُلاءِ مَقْطُوعٌ مُصْبِحِينَ) (٦٦)
____________________________________
قومه وتنجية آله عقيب ذكر بشارة إبراهيم عليه الصلاة والسلام بهما وحيث كان ذلك مستدعيا لبيان كيفية النجاة وترتيب مباديها أشير إلى ذلك إجمالا ثم ذكر ما فعل القوم وما فعل بهم ولم يبال بتغيير الترتيب الوقوعى ثقة بمراعاته فى مواقع أخر ونسبة المجىء بالعذاب إليه عليه الصلاة والسلام مع أنه نازل بالقوم بطريق تفويض أمره إليه لا بطريق نزوله عليه كأنهم جاءوه به وفوضوا أمره إليه ليرسله عليهم حسبما كان يتوعدهم به (وَأَتَيْناكَ بِالْحَقِّ) أى باليقين الذى لا مجال فيه للامتراء والشك وهو عذابهم عبر عنه بذلك تنصيصا على نفى الامتراء عنه أو المراد بالحق الإخبار بمجىء العذاب المذكور* وقوله تعالى (وَإِنَّا لَصادِقُونَ) تأكيد له أى أتيناك فيما قلنا بالخبر الحق أى المطابق للواقع وإنا لصادقون فى ذلك الخبر أو فى كل كلام فيكون كالدليل على صدقهم فيه وعلى الأول تأكيد إثر تأكيد وقوله تعالى (فَأَسْرِ بِأَهْلِكَ) شروع فى ترتيب مبادى النجاة أى اذهب بهم فى الليل وقرىء بالوصل وكلاهما من* السرى وهو السير فى الليل وقرىء فسر من السير (بِقِطْعٍ مِنَ اللَّيْلِ) بطائفة منه أو من آخره قال[افتحى الباب وانظرى فى النجوم * كم علينا من قطع ليل بهيم] وقيل هو بعد ما مضى منه شىء صالح (وَاتَّبِعْ أَدْبارَهُمْ) وكن على أثرهم تذودهم وتسرع بهم وتطلع على أحوالهم ولعل إيثار الاتباع على السوق مع أنه المقصود بالأمر للمبالغة فى ذلك إذ السوق ربما يكون بالتقدم على بعض مع التأخر عن بعض ويلزمه* عادة الغفلة عن حال المتأخر والالتفات المنهى عنه بقوله تعالى (وَلا يَلْتَفِتْ مِنْكُمْ) أى منك ومنهم (أَحَدٌ) فيرى ما وراءه من الهول فلا يطيقه أو يصيبه ما أصابهم أو ولا ينصرف منكم أحد ولا يتخلف لغرض فيصيبه العذاب وقيل نهوا عن ذلك ليوطنوا أنفسهم على المهاجرة أو هو نهى عن ربط القلب بما خلفوه أو هو للإسراع فى السير فإن الملتفت قلما يخلو عن أدنى وقفة وعدم ذكر استثناء المرأة من الإسراء* والالتفات لا يستدعى عدم وقوعه فإن ذلك لما عرفت مرارا للاكتفاء بما ذكر فى مواضع أخر (وَامْضُوا حَيْثُ تُؤْمَرُونَ) إلى حيث أمركم الله تعالى بالمضى إليه وهو الشام أو مصر وحذف الصلتين على الاتساع المشهور وإيثار المضى إلى ما ذكر على الوصول إليه واللحوق به للإيذان بأهمية النجاة ولمراعاة المناسبة بينه وبين ما سلف من الغابرين (وَقَضَيْنا) أى أوحينا (إِلَيْهِ) مقضيا ولذلك عدى بإلى (ذلِكَ الْأَمْرَ) مبهم* يفسره (أَنَّ دابِرَ هؤُلاءِ مَقْطُوعٌ) على أنه بدل منه وإيثار اسم الإشارة على الضمير للدلالة على اتصافهم بصفاتهم القبيحة التى هى مدار ثبوت الحكم أى دابر هؤلاء المجرمين وإيراد صيغة المفعول بدل صيغة المضارع لكونها أدخل فى الدلالة على الوقوع وفى لفظ القضاء والتعبير عن العذاب بالأمر والإشارة