إنه متعلق بقوله (إِنِّي أَنَا النَّذِيرُ الْمُبِينُ) فإنه فى قوة الأمر بالإنذار كأنه قيل أنذر قريشا مثل ما أنزلنا على المقتسمين يعنى اليهود وهو ما جرى على بنى قريظة والنضير بأن جعل المتوقع كالواقع وقد وقع كذلك وأنت خبير بأن ما يشبه به العذاب المنذر لا بد أن يكون محقق الوقوع معلوم الحال عند المنذرين إذ به تتحقق فائدة التشبيه وهى تأكيد الإنذار وتشديده وعذاب بنى قريظة والنضير مع عدم وقوعه إذ ذاك لم يسبق به وعد ووعيد فهم منه فى غفلة محضة وشك مريب وتنزيل المتوقع منزلة الواقع له موقع جليل من الإعجاز لكن إذا صادف مقاما يقتضيه كما فى قوله تعالى (إِنَّا فَتَحْنا لَكَ فَتْحاً مُبِيناً) ونظائره على أن تخصيص الاقتسام باليهود بمجرد اختصاص العذاب المذكور بهم مع شركتهم للنصارى فى الاقتسام المتفرع على الموافقة والمخالفة وفى الاقتسام بمعنى التحريف الشامل للكتابين بل تخصيص العذاب المذكور بهم مع كونه من نتائج الاقتسام تخصيص من غير مخصص وقد جعل الموصول مفعولا أول لأنذر أى أنذر المعضين الذين جزءوا القرآن إلى سحر وشعر وأساطير مثل ما أنزلنا على المقتسمين وهم الاثنا عشر الذين اقتسموا مداخل مكة أيام الموسم فقعد كل منهم فى مدخل لينفروا الناس عن الإيمان برسول الله صلىاللهعليهوسلم يقول بعضهم لا تغتروا بالخارج منا فإنه ساحر ويقول الآخر شاعر والآخر كذاب فأهلكهم الله تعالى يوم بدر وقبله بآفات وفيه مع ما فيه من الاشتراك لما سبق فى عدم كون العذاب الذى شبه به العذاب المنذر واقعا ولا معلوما للمنذرين ولا موعود الوقوع أنه لا داعى إلى تخصيص وصف التعضية بهم وإخراج المقتسمين من بينهم مع كونهم أسوة لهم فى ذلك فإن وصفهم لرسول الله صلىاللهعليهوسلم بما وصفوا من السحر والشعر والكذب متفرع على وصفهم للقرآن بذلك وهل هو إلا نفس التعضية ولا إلى إخراجهم من حكم الإنذار على أن ما نزل بهم من العذاب لم يكن من الشدة بحيث يشبه به عذاب غيرهم ولا مخصوصا بهم بل عاما لكلا الفريقين وغيرهم مع أن بعض المنذرين كالوليد بن المغيرة والعاص بن وائل والأسود ابن المطلب قد هلكوا قبل مهلك أكثر المقتسمين يوم بدر ولا إلى تقديم المفعول الثانى على الأول كما ترى وقيل إنه وصف لمفعول النذير أقيم مقامه والمقتسمون هم القاعدون فى مداخل مكة كما حرر وفيه مع ما مر أن قوله تعالى (كَما أَنْزَلْنا) صريح فى أنه من قول الله تعالى لا من قول الرسول صلىاللهعليهوسلم والاعتذار بأن ذلك من باب ما يقوله بعض خواص الملك أمرنا بكذا وإن كان الآمر هو الملك حسبما سلف فى قوله تعالى (قَدَّرْنا إِنَّها لَمِنَ الْغابِرِينَ) تعسف لا يخفى وأن إعمال الوصف الموصوف مما لم يجوزه البصريون فلا بد من الهرب إلى مسلك الكوفيين أو المصير إلى جعله مفعولا غير صريح أى أنا النذير المبين بعذاب مثل عذاب المقتسمين وقيل المراد بالمقتسمين الرهط الذين تقاسموا على أن يبيتوا صالحا عليه الصلاة والسلام فأهلكهم الله تعالى وأنت تدرى أن عذابهم حيث كان متحققا ومعلوما للمنذرين حسبما نطق به القرآن العظيم صالح لأن يقع مشبها به العذاب المنذر لكن الموصول المذكور عقيبه حيث لم يمكن كونه صفة للمقتسمين حينئذ فسواء جعلناه مفعولا أول للنذير أو لما دل هو عليه من أنذر لا يكون للتعرض لعنوان التعضية فى حين الصلة ولا لعنوان الاقتسام بالمعنى المزبور فى حين المفعول الثانى فائدة لما أن ذلك إنما يكون للإشعار بعلية الصلة والصفة للحكم الثابت للموصول والموصوف فلا يكون هناك وجه شبه يدور عليه