مثل قوله أكرم العالم لايكون الا حكما واحدا متعلقا بأمر واحد وهو العنوان العام ، غايته هو انحلاله بحسب التحليل إلى احكام متعددة حسب تعدد افراد العام وأين ذاك وتعدده في مرحلة الانشاء الكلامي كما هو واضح كيف ولازمه انتهاء الامر إلى انشاءات احكام غير متناهية عند عدم تناهي افراد العام وهو كما ترى.
وكيف كان فهذا كله بناء على كون المراد من الاستقلال المبحوث عنه هو الاستقلال في مرحلة النسبة الكلامية الملازم مع الاستقلال بحسب اللحاظ ، وعليه قد عرفت بان التحقيق فيه هو الامتناع عقلا مطلقا بناء على ما هو التحقيق في وضع الألفاظ من المرآتية لا الأمارية من دون فرق بين الحقيقة والمجاز ولا بين المفرد والتثنية والجمع. واما بناء على إرادة استقلال ذات المعنى الملحوظ من الاستقلال المبحوث عنه فعليه قد عرفت جوازه عقلا مطلقا ولو على المرآتية في الألفاظ نظراً إلى وضوح امكان تعلق لحاظ واحد بأمور متعددة بما هي متعددة. وحينئذ فالاستعمال بهذا النحو مما لا مجال لدعوى امتناعه عقلا بل ولا يظن من القائل بالامتناع إرادة هذه الصورة فان تمام همهم في المنع عقلا انما هو صورة استقلال المعنيين بوصف الملحوظية.
نعم بعد ما أمكن هذا القسم من الاستعمال في نفسه ولم يقم برهان عقلي على امتناعه يبقى الكلام في جوازه لغة وانه هل يجوز ذلك مطلقا أو لايجوز كذلك أو يفصل بين المفرد وغيره؟ فنقول انهم ذكروا في المنع عن صحة الاستعمال على الوجه المزبور وجوها :
منها : ما افاده بعض المحققين في بدايعه حيث قال ما حاصله : ان الاستعمال على الوجه المزبور امر ممكن لم يقم على المنع عنه دليل عقلي ، ولكنه يمنع عن صحة استعماله عدم معهودية الاستعمال بهذا النحو في كلام العرب نظما ونثرا كما يظهر عند التتبع واستقراء كلماتهم ممن يعتد بشأنه من الخطباء وغيرهم ، فإذا فرض عدم مساعدة أهل اللسان على مثل هذا النحو من الاستعمال وخروجه عما هو المأنوس والمتعارف عندهم فلا جرم يكون الاستعمال غلطا غير صحيح من جهة عدم كونه من اللغة المتحاور فيها علاوة عما نرى بالوجدان من ابائه عن التعبير عن المعاني المختلفة بلفظ واحد ولو في الموارد المطلوب فيها الايجاز والاختصار.
أقول : ولايخفى عليك انه لو تم هذا الدليل لكان مقتضاه عدم الفرق في المنع بين المفرد وغيره ولا بين ان يكون الاستعمال بنحو الحقيقة أو المجاز.