الإرادة ترى حكم العقل بقبح العقوبة. وبالجملة فالمقصود من هذا البيان انما هو حصر موضوع حكم العقل بوجوب الإطاعة والامتثال وحسن العقوبة على المخالفة بنفس الإرادة الواقعية بما انها مبرزة بالامر ، فعند خلو المورد حينئذ عن الإرادة لا حكم للعقل بوجوب الإطاعة ولا يرى حسن العقوبة على المخالفة. واما دعواهم بانعزال العقل عن التحسين والتقبيح فغير مسموعة منهم ، كما هو واضح.
واما الثاني : فبطلانه أيضا واضح حيث إنه قد خلط بين الإرادة التشريعية والتكوينية ، فان ما يستحيل تخلفه انما هو الإرادة التكوينية دون الإرادة التشريعية ، وما في الكتاب العزيز من قوله سبحانه « انما أمره إذا أراد شيئا ان يقول له كن فيكون » انما هو الأول دون الثاني ، على أن لنا أيضا المنع عن لزوم تخلف ارادته سبحانه عن المراد حتى في الإرادة التشريعية ، وبيانه يحتاج إلى مقدمة بها أيضا يتضح الجهة الفارقة بين الإرادة التكوينية والتشريعية ، وهي ان كل آمر ومريد لفعل من الغير تارة يتعلق ارادته بحفظ وجود العمل على الاطلاق بنحو تقتضي سد جميع أبواب عدمه حتى من ناحية شهوة العبد والمأمور ولو بايجاد الإرادة له تكوينا ، وأخرى تتعلق بحفظ وجوده لا على نحو الاطلاق بل في الجملة ومن ناحية ما هو مبادي حكم عقله بوجوب الإطاعة والامتثال وهو طلبه وأمره. وحينئذ فإذا كانت الإرادة المتعلقة بفعل العبد من قبيل الأول فلا جرم لابد لا من سد جميع أبواب عدمه المتصورة حتى من جهة شهوة العبد ، وأما إذا كانت من قبيل الثاني فالمقدار اللازم انما هو حفظ وجوده بمقدار تقتضيه الإرادة ، فإذا فرض ان المقدار الذي تعلق الإرادة والغرض بالحفظ انما هو حفظ المرام من ناحية مبادي حكم عقل المأمور بالإطاعة والامتثال وما يرجع إلى نفس المولى من ابراز ارادته والبعث ، فالمقدار اللازم في الحفظ حينئذ انما هو ايجاد ما هو من مبادي حكم العقل بالامتثال لا ايجاد مطلق ما كان له الدخل في الحفظ حتى مثل شهوة العبد والمأمور ، كما هو واضح.
وبعد ما عرفت هذه الجهة نقول بان ما كانت منها من قبيل الأول فهي المسماة بالإرادة التكوينية وهي كما ذكر يستحيل تخلفها عن المراد إذ هي بعد تعلقها بحفظ الوجود بقول مطلق حتى من ناحية الأضداد والمزاحمات فلا جرم يكون ترتب وجود المراد عليها قهريا فيستحيل تخلفها عنه والا لزم الخلف ، واما ما كانت من قبيل الثاني فهي المسماة بالإرادة التشريعية ، ولكن نقول بان تلك أيضا غير متخلفة عن المراد فان