واما الجواب عن شبهة الجبر فلم يتعرض الأستاذ له تفصيلا خوفا على بعض الطلاب من دخول بعض الشبهات في أذهانهم القاصرة بل وانما أحال الجواب إلى وقت آخر يقتضيه المقام ، نعم أفاد في دفع الشبهة وفسادها بنحو الاجمال محيلا ذلك إلى قضاء الوجدان بالفرق الواضح بين حركة يد المرتعش وحركة يد المختار ، وهو كما أفاد ( دام ظله ) حيث نرى ونشاهد بالوجدان والعيان كوننا مختارين فيما يصدر عنا من الافعال وفى مقام الإطاعة العصيان وان مجرد علمه سبحانه بالنظام الأكمل غير موجب لسلب قدرتنا واختيارنا فيما يصدر عنا من الافعال والأعمال كما يقول به الجبرية ( خذلهم الله سبحانه ) بل كنا بعد مختارين فيما يصدر عنا من الافعال وان عدم صدور العمل منا في مقام الإطاعة انما هو باختيارنا وعدم إرادتنا الايجاد لترجيحنا ما نتخيل من بعض الفوائد العاجلة على ما في الإطاعة من المنافع المحققة الآجلة الأخروية من غير أن نكون مجبورين في ايجاد الفعل المأمور به أو تركه بوجه أصلا ، كما لايخفى.
والى ذلك أيضا يشير بعض ما ورد من النصوص عن الأئمة المهديين صلوات الله عليهم أجمعين بان كل مولود يولد على الفطرة الا ان أبويه يهودانه وينصرانه ويمجسانه (١) وان كل انسان في قلبه حين ولادته نقطة بيضاء ونقطة سوداء (٢) وكان لقلبه أذنان ينفث في أحدهما الملك وفى الآخر الشيطان (٣) وان لكل نفس مكانا في الجنة هو له إذا سلك سبل الخير ومكانا في النار إذا سلك سبل الشر. حيث إن افراد الانسان بأجمعها خلقت من نطفة أمشاج ومن رقائق العوالم العلوية والسفلية وخمرت طينته منهما ، فبعضهم باختيارهم لما لا حظ المنافع الأخروية ورجحها على ما يترائى في نظره من اللذائذ الدنيوية الفانية فسلك من هذه الجهة سبيل التوحيد كان سلوكه لسبيل التوحيد منشأ
__________________
١ ـ الحديث منقول بالمعنى ولفظه على ما في صحيح فضل بن عثمان الأعورعن أبي عبد الله عليهالسلام هكذا : « ما من مولود يولد إلا على الفطرة فأبواه اللذان يهودانه وينصرانه ويمجسانه » « الحديث ». رواه في الوسائل ، الباب ٤٨ من أبواب الجهاد ، الحديث ٣.
٢ ـ في خبر زرارة ، قال أبو جعفر عليهالسلام : ما من عبد إلا وفي قلبه نكتة بيضاء فإذا أذنب ذنبا خرج في النكتة نكتة سوداء « الحديث » أصول الكافي ، ج ٢ ، ص ٢٧٣ ـ الوسائل الباب ٤٠ من جهاد النفس ، الحديث ١٤.
٣ ـ أصول الكافي : طبعة الآخوندي ، ج ٢ ، ص ٢٦٦.